"خريف ظفار" يبلغ ذروته

 

د. أحمد بن علي العمري

مهما غرد المغردون وشكك المشككون وتناقل المتناقلون وتذمر المتذمرون، فقد بلغ خريف ظفار ذروته التي لم يصلها منذ العديد من السنين، وكما يُقال بالمحلي "ابلاغ خرف" ولله الفضل والحمد والمنة، فقد اكتست السهول والهضاب والقمم والتلال والجبال بالسندس الأخضر، واتسعت رقعة البساط الأخضر في جميع أنحاء المحافظة، راسمةً صورة فنية تلامس سماء الخيال، إن لم يكن حد الكمال، ولله الكمال.

هذا المشهد يرسم لوحة آسرة لم تصل لها ريشة ليوناردو دافنشي ويعزف سيمفونية موسيقية رائعة لم يرق بيتهوفن لمستواها! ولم يقدر على تخيله الذكاء الاصطناعي، ولم يتمكن من تحديدها تقنيات البعد الثلاثي، فقد تدفقت الشلالات وانفجرت العيون وسالت الجداول وترنم خرير الماء، كما يقول أمير الشعراء أحمد شوقي رحمة الله عليه:

تلك الطبيعة قف بنا يا ساري // حتى أريك بديع صنع الباري

الأرض حولك والسماء اهتزتا // لروائع الآيات والآثاري

ولقد تمر على الغدير تخاله // والنبت مرآة زهت بإطاري

حلو التسلسل موجه وخريره // كأنامل مرَّت على أوتاري

ها هي ظفار، هذا الجزء الغالي من عُماننا الحبيبة تلبس أبهى حُللها، وتتزين بأجمل زينتها، وقد بدت كعروس الخليج وربما بل لن نبالغ إذا قلنا إنِّها عاصمة السياحة الخليجية بلا مُنازع، فجاء إليها القاصدون من كل حدب وصوب من أنحاء عُمان ومن دول الخليج ومن الدول العربية ومن العالم أجمع؛ حيث زاد عدد الزوار عن السنوات الماضية بشكل ملحوظ، ليستمتعوا بهذا الجو الاستثنائي والهواء العليل، وحتى مطرها فإنِّه ينزل رذاذًا خفيفًا. وذاع صيتها في بقاع الأرض؛ الأمر الذي ينعكس في زيادة عدد الزوار.

حتى المزارات والمواقع الطبيعية كل عام تكتشف أماكن لم تكن معروفة من قبل، والقادم أفضل بإذن رب العالمين.

لقد لاحظتُ كما لاحظ الجميع عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة بروز بعض أصوات المتذمرين؛ فهناك من يتذمر من ارتفاع أسعار الإيجارات، وهناك من يشكو من قلة الخدمات، وهناك من يمتعض من الزحام المروري وغير ذلك.. ولهؤلاء جميعًا نقول: "قبل كل شيء توب بحي ويا مرحبًا وسهلًا". ثم عن ارتفاع الإيجارات، فهذا موسم وفي أي موسم سياحي بأيِّ بلد بالعالم ترتفع الإيجارات، وليست سلطنة عُمان استثناءً، كما يحصل في موسم الحج مثلًا، أو المناسبات العالمية مثل ما حصل في كأس العالم في قطر، أو المهرجانات، وغيرها.

وحتى أسعار التذاكر على مستوى العالم ترتفع في الصيف، لأنهم يعتبرونه موسمًا، تنتعش فيه الحركة التجارية، وهكذا حال العالم. ومن هنا ومن باب النصح فإنني أتمنى أن يحرص السائح أو الزائر على حجز السكن قبل بدء رحلته بفترة كافية، لتفادي ارتفاع الأسعار.

أما عن الخدمات، فمن الطبيعي أن ذروة الموسم تشهد ضغطًا على الخدمات، فإذا زاد الطلب يقل المعروض وهذه قاعدة اقتصادية يعرفها الجميع.

وعن الزحام المروري، فإن كان البعض يراه نقمة ومشكلة، فإنني ممن يرونه نعمة؛ لأن أي مكان في العالم يقصده المصطافون من الطبيعي أن يشهد ازدحامًا مروريًا، وربما المشوار الذي تقضيه في عشرة دقائق يصل إلى نصف ساعة، المهم أن يتحلى قائد المركبة بالصبر وأن يُفسح المجال للغير وأن يُحافظ على الضوابط المرورية، لنصل جميعًا بأمان وسلام.

وعلى القادمين عبر الطريق البري، التوقف بين الحين والآخر في الاستراحات المتواجدة على طول الطريق للراحة وأخذ الحيطة والتأكد من كفاءة المركبة.

إنني أتمنى من كل قلبي عندما ينتهي موسم خريف ظفار أن تكون هناك فعاليات في أي محافظة أخرى والاستفادة من المقومات السياحية فيها؛ سواءً كانت طبيعية أم تراثية أم ثقافية أم اجتماعية، لتكرار تجربة الخريف المُزدهرة، وهكذا في جميع المحافظات على مدار العام، لضمان سياحة مُستدامة على مدار العام.

إنَّ عُمان تحيا في رحاب النهضة المتجددة تحت قيادة ربانها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه ورعاه- وأدام عليه الصحة والعافية وأطال الله لنا بعمره.

حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها.