الدخل والتنافسية

 

 

◄ الجهود المحلية المبذولة حاليا تعمل على الموازنة بين البُعد الاقتصادي والاجتماعي وبالتالي ضرورة انتهاج سياسات اقتصادية مرنة تشجع على جذب مزيد من الاستثمارات

 

حيدر بن عبدالرضا اللواتي

haiderdawood@hotmail.com

ما زال النقاش محتدماً بشأن فرض ضريبة الدخل على الأفراد في البلاد خلال المرحلة المُقبلة، دون تحديد تاريخ معين لهذه الضريبة بصورة رسمية؛ حيث تعرضت وسائل الإعلام والإذاعات المحلية والبرامج التلفزيونية خلال الفترة الماضية لهذه القضية، ومناقشتها من مختلف جوانبها. ومثل هذا النقاش مُعتاد أن يحدث في دولة لم تعتد فرض ضريبة الدخل على الأفراد، في الوقت الذي ما زال العديد من الآراء تحثُّ على ضرورة التريث، خاصة وأنَّ العديد من الأبناء باحثون عن فرص العمل المناسبة لهم للعيش في وضع اجتماعي مناسب لهم ولأسرهم.

الدولة من جانبها تبذل جهوداً مضنية من أجل جذب الاستثمار الأجنبي، وتوفير فرص العمل للمواطنين، وتعزيز العمل بتأسيس مزيد من المشاريع التنموية لاستقطاب العمانيين في تلك الأعمال؛ الأمر الذي لا بدّ أن يكون القرار الأخير فيه لفرض ضريبة الدخل من أجل خدمة الاقتصاد العماني والأهداف الاجتماعية في المقام الأول.

الكلُّ يعلم أن السلطنة تقدمت خلال الآونة الأخيرة في رفع تنافسيتها وجاذبيتها الاستثمارية وفق بيانات صدرت عن المؤسسات الدولية في هذا الشأن. ومن شأن فرض ضريبة الدخل على الأفراد أن يؤخّر مساعي تشغيل المواطنين وزيادة حالات التسريح في المؤسسات والشركات القائمة، وربما التأخير في جذب الاستثمارات الجديدة إلى البلاد؛ باعتبار أن هذه الخطوة التي تتمُّ مناقشها تعدُّ الأولى من نوعها بين دول المنطقة، ودون أن تكون لها سابقة في البند المالي السابق للموازنة، والذي هدفه في نهاية المطاف تقوية الموازنة المالية السنوية للدولة؛ وبالتالي توزيع منافع هذه الضريبة على الفئات الاجتماعية المحتاجة الأخرى.

إنَّ الجهود المحلية المبذولة تعمل على إيجاد التوازن بين البعدين الاقتصادي والاجتماعي في البلاد؛ الأمر الذي يتطلب انتهاج سياسات اقتصادية مرنة لتشجيع القطاع الخاص وتحفيز المؤسسات الخاصة لجذب المزيد من الاستثمارات، مع ضرورة تبني خطط اقتصادية تعمل على تشغيل المزيد من الأبناء في تلك المؤسسات، وليس إبعادهم عن الساحة الاقتصادية. فما زلنا بحاجة كبيرة لتعزيز العمل لتحفيز مختلف القطاعات، خاصة بقطاع الصناعات التحويلية والتقنيات والطاقة المتجددة، بجانب تعزيز الخطط السياحية والزراعية والسمكية وغيرها. فأيُّ قرار غير مدروس ستكون له نتائج سلبية على المشهد العماني، خاصة وأنَّ الجهات تعمل على إيجاد المزيد من التنافسية التي تتطلب المرونة وتقديم التسهيلات والحوافز والمزايا، وإصدار قوانين وتشريعات تحمي الجوانب المختلفة للاستثمار والتجارة، بجانب البُعد قدر الإمكان عن فرض المزيد من الضرائب؛ الأمر الذي سيشجّع على استغلال الموارد الطبيعية العمانية والإمكانات اللوجستية التي يوفرها الموقع الجعرافي المهم، وتعزيز المجالات التجارية والصناعية في البلاد. ومن الطبيعي عندئذ أن تزيد مساهمة القطاع الخاص والمؤسسات والشركات العمانية في الناتج المحلي الإجمالي وتعزيز مجالات التجارة الخارحية للبلاد.

لقد نجحتْ عُمان خلال السنوات الأربعة الماضية في تحسين مركزها المالي نتيجة التزامها تجاه دفع الديون الخارجية والتقليل من مصاريف خدمة الديون؛ الأمر الذي أدى إلى تحسين وضعها المالي ومكانتها لدى مؤسسات الائتمان الدولية، في حين أن ذلك سوف يؤدي إلى تحقيق المزيد من التنويع الاقتصادي ونجاحا في توجهاتها وبرامجها الإستتراتيجية وفي التنافسية مع دول أخرى في جذب المزيد من المستثمرين داخل وخارج عمان خلال المرحلة المقبلة.

ولحين تحقيق ذلك، سوف تعاني الأوضاع التجارية والاقتصادية المحلية قليلًا من التراجع والكساد، وقلة فرص العمل لحين تصحيح الأوضاع برمتها. وهذا ما سيُؤدي لاحقاً إلى توسيع أعمال ودور القطاع الخاص في التنمية المستدامة وتسريع نمو الأنشطة غير النفطية وتحسين بيئة الأعمال عموماً، والتمكّن من مواجهة التحديات التي تواجه القطاع الخاص ورواد الأعمال.

لقد شهدت سلطنة عمان خلال الفترة الماضية طرح المزيد من المبادرات والبرامج الإستراتيجية الجديدة منها استحداث مؤشر تنافسية المحافظات؛ الأمر الذي يعزّز من تنافسية وتنمية المحافظات، وتأسيس المزيد من المشاريع الاقتصادية المجدية من خلال العمل بسياسة "اللامركزية" لتوسعة آفاق التنمية المحلية في كل بقعة من عمان، ورفع القيمة المضافة للمشاريع لرفع مستويات المعيشة وتوليد فرص عمل جديدة للمواطنين وتنويعها واستدامتها.

ما يهمُّنا في هذا المقام هو تحقيق المزيد من النجاحات في تعزيز وزيادة مساهمة الأنشطة غير النفطية ورفع معدّل نموها في الناتج المحلي الاجمالي للبلاد ورفع قيمتها المضافة خاصة للقطاعات الزراعية والسمكية والسياحية وأنشطة الصناعات التحويلية والتعدين والأمن الغذائي، بجانب تحقيق المزيد من النجاح في القطاع اللوجستي وقطاع الطاقة المتجددة وقطاع المعرفة وفي كافة المشروعات الاستثمارية الجديدة.