فلسطين.. أبعاد فكرية وثقافية

 

 

كمال بن حسن اللواتي

عُقدت قبل عدة أيام جلسة حوارية في النادي الثقافي بعنوان "فلسطين.. أبعاد فكرية وثقافية"؛ حيث جرت استضافة الدكتورة شفيقة وعيل والشاعر أحمد العبري والكاتب علوي المشهور بإدارة الشاعر سالم الرحبي. وأتناول هنا بعض النقاط التي طرحت في الحوار والتعليقات المُختصرة عليها:

1- نقد طبيعة التضامن العربي، وأنَّ ما نقوم به غياباً تاماً للفعل السياسي وحضور لحالة من التضامن فقط التي لا ترتجي تغيير الواقع ولا تسعى بالضغط بشكل أكبر؛ فمثلا موضوع المقاطعة -رغم كونه فعلاً أخلاقيًّا مُهمًّا- أصبح بمثابة نهاية للفعل السياسي وليس بداية له، وهو يُمثل حالة من رفع العتب. وقس على ذلك الوقفات التضامنية التي لا تحمل أية مطالبات موجهة للداخل؛ مثل: استخدام سلاح النفط لتحقيق الضغط على القوى الداعمة لإسرائيل، وهي تشبه الحفلات التأبينية أو البكاء على الأطلال.

أتفق مع هذا الطرح في المبدأ، ولكن في ظل هذا الواقع الضعيف على مستوى الدول، وعدم قدرة الشعوب على الضغط بشكل أكبر، والتحسُّب من الولايات المتحدة، وقبول عدد من الدول العربية لما تقوم به أمريكا؛ فلن يكون هناك فعل سياسي حقيقي للضغط على أمريكا لكي تصرخ كما صرخت عام 1973م أيام حرب أكتوبر وعندما جرى حظر النفط عنها.

وضَعْف العالم العربي ضعف بنيوي، ولا يمكن أمام هذا الواقع أن تتحدى الحكومات القوى العظمى، بل ستتماهى مع مُعظم سياساتها.

2- تحدَّث الحضور عن التطبيع، وأن قطار التطبيع لم يتوقف رغم حرب الإبادة التي يشنها الكيان الصهيوني على غزة، والاختلاف ليس في مبدأ التطبيع، وإنما في الأثمان المرجوة للدولة التي تتحاور وليس لفلسطين، وهذا أيضًا صحيح، ومن أسبابه الرئيسية خروج مصر من معادلة الصراع العسكري بعد معاهدة السلام، وبخروجها اختلَّ التوازن العسكري بشكل كبير جدًّا، وشجَّع الأردن على التوقيع على معاهدة وادي عربة التطبيعية، وكذلك انخرط الفلسطينيون في التوقيع على اتفاقيات أوسلو، وبعدها بعقود انخرطت دول أخرى في التطبيع مع العدو الصهيوني.

وهذا الوضع لا يُبشِّر بالخير أبدًا؛ بل هو مُبشِّر للمُطبَّعين. لذلك لا يجب نشر التفاؤل الخدّاع، وإنما ينبغي الحذر والجاهزية للسيناريوهات السيئة المحتملة.

3- تحدث البعض عن احتجاجات الطلبة في الجامعات الغربية ضد حرب الإبادة الجارية في غزة، وغياب طلبة الجامعات العربية وخصوصا جامعة السلطان قابوس؛ باعتبار أن سلطنة عُمان تبذل دورًا نشطًا على المستوى الإعلامي مقارنة بالدول التي لا نرى لها حِرَاكا شعبيًّا أو حكوميًّا؛ وبالتالي يقترحون أنْ تكون جامعة السلطان قابوس منخرطة ومتضامنة مع المسيرات التي تنظمها الجامعات الغربية، وأن تكون هناك قاعة مخصصة تتحول إلى منبر يعتلي منصتها كل من أراد الخطابة أو إبداء وجهة نظر حول طوفان الأقصى أو إلقاء الأشعار وإقامة حوارات حول القضية الفلسطينية ومستقبل طوفان الأقصى وتداعياتها على المنطقة وعلاقتها بحل الدولتين، وكل هذا الحراك سيكون في صالح طلبة الجامعة ورفع مستواهم الفكري والثقافي والسياسي حول القضية الفلسطينية وقضايا الأمة بشكل عام، وهي كلها أجواء صحية تصبُّ في صالح الطلبة، وعلينا ألا نتخوف من هذه الأجواء بحجج مختلفة، وأن تكون أصالة الإباحة مُقدَّمة على أصالة المنع.

4- تطرقت الندوة إلى أهمية فلسطين السياسية، وكيف أنها تاريخيًّا تسببت في سقوط حكومات وقيام أخرى، وأنها تظل قلب العالم القديم؛ فهي تتوسط آسيا وأوروبا وإفريقيا، وكانت تتصارع عليها الحضارات عبر التاريخ قديمًا وحديثًا. ولا يمكن تحقيق أي وحدة أو تقارب عربي أو إسلامي بدون حل هذه القضية الشائكة.

5- كان هناك نقد لمخاطر نشر الخطاب الذي يدّعي اقتراب النصر، وكيف أن الوجه الآخر له ليس سوى تثبيط وانهزام، وهو ما يدفع الآخرين بشكل ما للتخلي عن مسؤوليتهم في دعم القضية الفلسطينية، بدعوى أن النصر قريب وأن إسرائيل ستسقط من الداخل؛ لذا يجب القول إنَّ نبوءة الثمانين عامًا لا ينبغي أن نؤمن بتحققها، لأنها قد تجعل الداعمين لفلسطين ينتظرون بدلًا من أن يتخذوا موقفا ويضحون من أجل فلسطين، وهذا له انعكاساته النفسية السلبية في خلق ثقافة انتظار وانهزام وفُرجة!

تعليق عبر الفيس بوك