سارة البريكية
منذ الوهلة الأولى وأنت تنظر إليه تشعر بارتياح بالغ كونه من الرعيل الأول وكونه من أولئك الذين إذا مال الدهر وجدتهم يقولون نحن هنا.. إنِّه السيد عبدالله بن حمد البوسعيدي، سيد الحرف ورجل الكلمة المثقف والأديب مؤسس صالون الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي أسسه وهو على رأس عمله بجمهورية مصر العربية، عندما كان سفيرا وقتها هناك في 1996 للميلاد، فكانت الانطلاقة.
وكان قبلها في المغرب عندما دخل لأحد المكاتب ووجد كتاب الخليل بن أحمد الفراهيدي وقرأه وقال "يا للصدفة"، فسأله من كان هناك "ماذا وأي صدفة"، فقال له "إن هذا الأديب عماني"، فردَّ عليه ذلك الشخص، وقال إنه بَصريّ، فقال له السيد إنه عُماني المولد، وقد تربى في البصرة، فأخذ على عاتقه أن يحمل بهذا الاسم، ويطلق على صالونه الأدبي اسمه حتى يتعرف الجميع على الأديب والمفكر والمؤلف العُماني الخليل بن أحمد الفراهيدي؛ فمضى يشق العباب ويرسم من الأحلام قصصا واقعية فكان صالونه الذي بدأ يكبر يومًا بعد يوم.
التقيت به أكثر من مرة فقد حضر عدة أماسٍ شعرية وكان من ضمن الحضور الفخم الذي كان هناك ولكن تشرفت يوما ما أيضا بإلقاء نصوصي الشعرية في أمسية كانت تحت رعايته، ومن هناك لمست تواضعه الكبير؛ فالتقيت به بمكتبه وتبادلنا أطراف الحوار وحدثني عن حبه للثقافة والأدب ووقع لي كتاب حوارات صالون الفراهيدي وكتب لي أهداء جميلا تشرفت به كثيرا.
وكان يرسم من الكلمات زهورا تينع من جديد كلما حان وقت قطافها ليفاجئنا بهذا الرحيل المفاجئ والمصاب الجلل الذي ألم بسلطنة عمان وعلى الساحة الثقافية والأدبية والتراثية فكان وقع الخبر صادماً ولم أصدقه للوهلة الأولى كون معاليه – رحمه الله – كان حيويا ومحبا للحياة ومناضلا حيث تقلد عدة مناصب كان آخرها رئيسا لأمناء جامعة الشرقية فكانت الجامعة دائمة الفعاليات وكان حاضرا في أغلبها كلما سمحت له الظروف للحضور فكان ملبيا ومتواضعا جدا بشوشا ومعطاء طيبا وكريما تراه واقفا ومشرفا على كل صغيرة وكبيرة وكان في المشهد حاضرا.
تغيب الكلمات وتحضر الدموع وترسم العيون ملامح الفراق فتضيق الدنيا وتتسع وتعود للضيق وترى وجه الغياب ينبش من الوجع يغتال الفرح فتموت القلوب وتعتزل ما تحب وتنزوي بعيدا وتحترق بصمت هكذا يفعل موت الأحبة بنا وهكذا يرسم لحظة الوداع.
رأيت في عينه- رحمه الله- حب الحياة والأمل والتفاني والإخلاص والجد والاجتهاد وهو من الذين إذا أراد الوصول لحلم ما وصل إليه وتهيأت له السبل الممكنة لتحقيق ذلك النجاح الذي يرفرف حوله، أما الان حتى النجاحات ستفقده سيفقده المكان والزمان سيفقده البيت والجدران ستفقده زوايا المكتب وموظفوه الطيبون سيفقده الشارع والحواري التي يمر من خلالها ستفتقده الأيام واللحظات الجميلة وسيفتقده رفيق دربه ورفقاء آخرون كانوا شاهدين على النجاحات العظيمة.
رغم أنه كان مديرا وسفيرا ووزيرا، إلا أنه كان رجلًا متواضعًا، لم يحب التعالي أبدًا، فتراه يكلم هذا ويتواصل مع ذاك ويُكرم هذا ويكرم ذاك، وكان خبر رحيله صدمة للجميع.
ستبقى الأرض التي شهدت على إنجازاتك ورحلة اهتمامك بالثقافة أسوة بأبيك شاهده على إنجازاتك التي حققتها في مجال الثقافة والتراث، وسيبقى حبك للناس حاضرا، وسيذكرك المحتاجون والفقراء أولئك الذين مسحت دموعهم ووقفت معهم ولم تتكبر، ستبقى اسمًا عُمانيًا نذكره بحب ونتلوه في صلاة الوطن؛ فأنت جزء من هذا الوطن وستبقى بيننا مهما حدث.
رحمة الله تغشاك السيد عبدالله بن حمد البوسعيدي الطيب الكريم المثقف الشهم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.