علي بن مسعود المعشني
استشعرتْ أمريكا هزيمتها الاستراتيجية وفقد مصالحها وحظوتها في المنطقة عام 2008، ليس بفعل ضربات المُقاومة في العراق ومستنقع أفغانستان فحسب؛ بل أضيف إليها لغة أرقام حقيقية أعدّها المعهد العربي الأمريكي "معهد جيمس زغبي" لاستطلاعات الرأي (وهو مركز بحثي لبناني أمريكي)؛ حيث أجرى استطلاعًا للرأي في 6 عواصم عربية "حليفة" لأمريكا، وخرج منها بالأرقام التالية: 84% يعتقدون أنَّ أمريكا هي الداعم الأكبر للكيان الصهيوني، وبالنتيجة هي عدو للعرب، و85% يؤمنون بأن ما تسمى بـ"إسرائيل" هي عدو تاريخي للعرب، و83% يعتقدون بأن امتلاك إيران لسلاح نووي هو قوة للعرب، وأن سماحة السيد حسن نصر الله هو الشخصية الأولى المُحببة لدى المصريين، يليه الرئيس السوري بشار الأسد، ثم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد.
وبما أن الأمريكان خصوصًا والغرب عموماً، يؤمنون بمصداقية لغة الأرقام وحقيقة استشرافها المستقبلي، فقد قرروا تنفيذ خطة إعادة التموضع بالمنطقة عبر فصول "الربيع العبري" عام 2011، هذا الربيع الذي تركّز في من بقي شامخًا من أقطار جبهة الصمود والتصدي (سوريا، ليبيا، اليمن)، وأنقض على أقطار "حليفة" له (مصر، تونس) في بداية الربيع لزوم التضليل وحرف أنظار مركز المؤامرة وهدفها الحقيقي، وليبدو الربيع- وكما أسماه- عربيًا لتغييب العقل العربي.
نجحت أمريكا تكتيكيًا في إعادة إنتاج نفسها بالمنطقة عبر انتحال صفة "يسوع المُخلِّص" للشعوب من الحكام "الطُغاة" وحكم "العسكر"، وأعادت التموضع مؤقتًا عبر التنظيم الدولي للأخوان وثوار الناتو والجهاد الأطلسي، ولكنها مُنيت بهزيمة استراتيجية كبرى تتكشف تفاصيلها كل يوم، أقربها تنامي حجم الكراهية لها في المنطقة والعالم، وتقزمها التدريجي أمام القوى العالمية الصاعدة.
اليوم يأتي "طوفان الأقصى" ليحقق نصرًا استراتيجيًا على كيان العدو الصهيوني، الذي يمثل الاستثمار الاستراتيجي الوجودي لأمريكا والغرب في قلب الأمة العربية، وذلك بهدف تكريس ضعفها ووهنها وفرقتها، وتعطيل مشروعها الوحدوي النهضوي.
وطوفان الأقصى، وما ترتّب عليه من وحدة ساحات المُقاومة لاحقًا، وصعود نجمين غير متوقعين إلى صدارة مشهد المواجهة، وهما اليمن والفصائل العراقية، لم يبدد الحلم الاستراتيجي للكيان ورعاته بتصفية القضية الفلسطينية وتمرير ثقافة التطبيع بمسمياتها المختلفة؛ بل كشف عن وَهَن الكيان ورعاته وعجزهم عن تحقيق مبتغاهم، وكشف جميع بواطن القوة والضعف لدى الكيان ورعاته والمنبهرين به، وعاد عليهم بالوبال بفعل تجييش الرأي العام العالمي ضدهم، وسقوط سرديتهم التاريخية بأحقيتهم بأرض فلسطين.
تَنَكَّر العدو الصهيوني اليوم لعقيدته العسكرية المعروفة عنه والمتمثلة في "الحروب الخاطفة"، وخوضه لحرب الطوفان لثمانية أشهر، وقتله لأسراه، وتغابيه عن انهيار الدولة ومؤسساتها بالداخل، يقرأ منها بأن الكيان ولأول مرة في تاريخه يخوض حربَ وجودٍ ويستشعر ذلك، لهذا يوزع القتل والدمار على الأرض كمن سبقه من طُغاة وغزاة عبر التاريخ حين يستشعرون زوالهم.
فيما مضى، أفصح 23% من الصهاينة بأنهم سيغادرون فلسطين المحتلة في حال ثبوت تملك إيران لسلاح نووي، واليوم ووفق صحيفة "يديعوت أحرونوت" الصهيونية أقر 49% من الصهاينة بأن "إسرائيل" لم تعد أرضًا آمنة وصالحة للسكن! والله غالب على أمره.
قبل اللقاء.. رغم زلزال الطوفان وما أحدثه حول العالم، ما زال نتنياهو يُردد أسطوانة الكيان المشروخة بأن من يُعادي "إسرائيل" أو ينتقد سياساتها فهو بالضرورة مُعادٍ للسامية!!
وبالشكر تدوم النعم.