محمد رامس الرواس
التَّحديات التي تتعرَّض لها مُجتمعاتنا في هذا الوقت للنيل من أبنائنا وشبابنا عبر الترويج للمخدرات وتوزيعها وتعاطيها تمسُّ مباشرةً منظومتنا الأخلاقية والسلوكية المستمدَّة من ديننا الإسلامي الحنيف.
وتأتِي المؤثرات العقلية -بكافة أنواعها وأصنافها- على رأس هذه التحديات؛ لذا لا يكفى إقامة الندوات والمحاضرات والفعاليات، إنما يجب علينا من أجل التصدي لمثل هذه الآفة وضع دراسات مُتخصِّصة وبحوث اجتماعية من ذوي الشأن بالجامعات والوزارات والأجهزة المختصة بهذه القضية، على أن تكون هذه الدراسات مشفوعة بأهداف ووظائف القصد منها تعزيز قدرة مجتمعاتنا المحلية لمواجهة مثل هذه التحديات المستمرة للنيل من ثروة الوطن الأولى ألا وهم الشباب، هذا بجانب أهمية تعزيز الوازع الديني والصحي ووضع أولويات تنطلق منها هذه الدراسات لأجل توجيه رسالة مباشرة إلى الأسرة لأنها الحصن الأول والأهم، ثم المدرسة، عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
ولطالما كانت مُعاناة المجتمعات من انتشار آفة سموم المخدرات عثرة في طريق نهوضها وتقدمها، فازدهرت دول كافحت المؤثرات العقلية، وتراجعتْ دول تقاعست عن دورها؛ لما للمؤثرات العقلية من أضرار كُبرى يأتي ضياع الوقت على رأسها، ثم تليه الأضرار الصحية والاجتماعية والاقتصادية، وعليه وضعت الدول الإستراتيجيات والدراسات وخصَّصت الدوائر المختصة والمنظومات الأمنية والصحية والتوعوية والقانونية للتصدي ومكافحة هذه الآفة، ورفدت ذلك بالتوعية الإعلامية والرسائل المباشرة لتوضيح الأخطار ومعالجتها، لكي تتجنب مجتمعاتها هذه التجارة والتعاطي والحيازة التي يجرمها القانون والشرع.
الأسرة خطُّ الدفاع الأول كما يحلو للبعض وصفها؛ لأنها متى ما صلحت صلح المجتمع واختفت الآثار السلبية فيه، والأسرة تأتي قبل المدرسة وقبل الصُّحبة؛ لذا كان لزامًا على الأسرة المراقبة الدقيقة لأبنائها، ثم يأتي دور المدرسة بالتعاون مع المجتمع ومع الأسرة لأجل قطع الطريق أمام مثل هذه الآفة، وإنجاح تنفيذ الخطط المتخصصة لتحقيق مكافحة مستحكمة ومستدامة، في ظل وجود حماية ترتكز على محاور أساسية مدروسة للمكافحة.
حدَّثني أحد المحامين الشباب، قال: "لم أرَ في هذا الموضوع أجدى من تدخل الأسرة مبكرًا، ومن ثم أخذ المتعاطي للجهات الصحية لتقييم الحالة، ومتى ما استدعت العلاج تتم المعالجة الفورية بالمستشفيات المتخصصة". فنضوج المجتمعات يعكس -بلا شك- وعيها التام بكيفية التصدي لمثل هذه المخاطر، وتنسيق جهود الجميع بهدف وجود رقابة مستمرة ومكثفة لأبنائنا الشباب وهو أمر لابد منه للوصول إلى نتائج إيجابية في هذا الشأن .
ووجود قانون الجزاء العُماني مسنود بإدارة مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية بشرطة عُمان السلطانية، يعكس حرص الحكومة على توفير الحماية التي تعمل على قطع دابر هذه الآفة من المجتمع لأجل أسرة وأبناء ومجتمع مستقر وآمن، عبر مكافحة تهريب المؤثرات العقلية بكافة أنواعها، ومن ثم وجود قوانين رادعة لوقف دخول هذه السموم للسلطنة عبر المنافذ البرية الجوية والبحرية، وضبط مرتكبي هذه الجرائم، وتقديمهم للعدالة، مع استمرارية واستدامة الوعي المجتمعي.
عندما نأتي لكي نُشخِّص أسباب تعاطي مثل هذه المؤثرات العقلية، نجد جملة من الأسباب؛ أولها: غياب الوازع الديني، ومن ثم ضعف شخصية المتعاطي وانعدام مهاراته الحياتية، فيذهب للمؤثرات العقلية ليسد كل عجز ونقص عنده، ظانًّا أن هذا هو الحل، هذا بجانب أصدقاء السوء بالمدرسة أو الشارع، ولا شك أنَّ الطلاق والأسرة المُفكَّكة وحدوث الخلافات المستمرة والمزعجة داخل الأسرة...وغيرها من الأسباب المشابهة، قد تكون أحد أسباب التعاطي للهروب من المعاناة ونسيان ما هم فيه من توترات، بينما يأتي المجتمع الذي تُثار بداخله الخصومات والنزاعات بالدرجة التالية في الأسباب، خاصة إذا كان شاب هذا المجتمع في جهل وفقر وعوز، فيصبحوا معرضين لمخاطر المخدرات .
إنَّ المؤشرات التي ترصُدها شرطة عمان السلطانية -متمثلة بالإدارة العامة لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية- في مجال التجارة وتعاطي المخدرات، ومنها القات على سبيل المثال، أصبحت تدعو للخوف الشديد على مجتمعنا العُماني، مما يُمكن القول معه إنَّ اكتشاف الأسباب لهذه الآفة الخطيرة ووضع الحلول الناجعة، حتى لو تم تغليظ العقوبات، سيحقق بترها واستئصالها من المجتمع.
الأمر متى ما تعلق بالسلوكيات والأخلاقيات تظهر هناك تأثيرات جانبية؛ منها: السرقة، كما تظهر على المتعاطي علامات وسمات مثل الكذب وطلبه للأموال باستمرار، وتقلب مزاجه، بجانب شحوب وجهه باستمرار، وهزال على جسمه وفقدانه للوزن، والتعب الدائم وفقدان الشهية، لذلك أصبحت وزارة الصحة الشريك المهم بجانب مكافحة المؤثرات، والأسرة، والمدرسة، والوزرات المعنية وعلى رأسها الاعلام؛ لأنَّ الصحة حلقة تطبيب المتعاطي؛ كونها معنية بالعلاج لمن أصبحت حالتهم في عِدَاد المدمنين، فتضع من طرفها الخطط والبرامج التوعوية والصحية والعلاجية؛ من أجل تأهيل مَنْ وَقَع في براثن هذه الآفة لأجل إزالة السموم من أجسامهم، ومن ثم يمكنهم أن يعودوا للمجتمع مجددًا، ولا شك أنَّ هناك أداورًا مشكورة لوزارة التنمية الاجتماعية -متمثلة في دائرة الإرشاد والاستشارات الأسرية- من خلال برامجها الوطنية، بالتعاون مع لجنة الوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية، وبالتنسيق مع اللجان المختصة بالمحافظات والولايات؛ منها: اللجان الصحية وجمعيات المرأة...وغيرها.
وختامًا.. إنَّ الاعلام عندما يضع خططه التوعوية، ويناقش قضايا المؤثرات العقلية، عبر برامج متخصصة مستدامة -سواء عبر خارطته الإعلامية السنوية بصيغة مسلسلات هادفة، أو حوارات توعوية، أو ندوات، أو ملتقيات، واستضافة خبراء ومختصين ورجال القانون والكُتَّاب والأدباء والمفكرين- لعرض صيغ ناجعة للقضاء على هذه الآفة الكبرى لأجل نجاة المجتمعات ووصولها إلى بر الأمان بعون الله وحفظه ورعايته.