التعليم الالكتروني.. البديل الحاضر

 

د. سالم عبدالله العامري

تطرقتُ في مقال سابق بعنوان "التعليم الالكتروني ضرورة مستقبلية" إلى التعريف بالتعليم الالكتروني وأنواعه وأهمية نشر ثقافة هذا التعليم في أوساط المجتمع خصوصًا لدى صانعي القرار في المؤسسات المعنية بالتعليم في السلطنة وآلية تطبيقه في مختلف المدارس والكليات والجامعات بشكل دائم ومستمر جنبًا إلى جنب مع التعليم التقليدي وتوظيف أدواته وأنواعه بما يحقق تعليم شامل وتعلم مستدام؛ كون هذا النمط من التعليم أصبح أمرًا حتميًا ومتطلبًا ضروريًا من متطلبات عصر المعرفة والتطور.

واليوم في ظل تأثر أجواء السلطنة بالأنواء المناخية وإغلاق معظم المدارس في أغلب المحافظات تزداد الحاجة بشكل أكبر إلى توظيف التعليم الالكتروني أو ما يعرف بالدراسة عن بعد حيث يعد بديلا مثاليا في الوقت الحاضر لضمان الاستمرار في التعلم وسلامة الأرواح والممتلكات.

ويُعرف التعليم عن بعد بأنَّه العملية التعليمية التي تتم بين الطالب والمعلم بوجود مسافة مكانية وزمانية بينهما وباستعمال وسائط إلكترونية لتلقي التعلم. وقد بدأ مصطلح التعليم الإلكتروني بالظهور والانتشار في بداية التسعينيات من القرن العشرين، وقد تزايد الاهتمام بهذا النوع من التعليم في السلطنة في السنوات الخمس الأخيرة، في ظل تأثر قطاع التعليم في سلطنة عُمان بجائحة كورونا "كوفيد-19" وتداعياتها، والتي تسببت بإغلاق المدارس في جميع محافظات السلطنة، وغياب جميع الطلبة عن صفوفهم الدراسية الاعتيادية، الأمر الذي شكل خطرًا على مُستقبل تعلمهم، مما استدعى الانتقال سريعًا إلى تطوير بدائل لتشغيل المدارس وفق المستجدات المرتبطة بالجائحة، وتم بالفعل العمل على ذلك من خلال تفعيل التعليم الالكتروني بأنواعه وتفعيل منصات التعليم عن بعد مثل منصة (منظرة) ومنصة (جوجل كلاس روم) وغيرها من المنصات والمواقع الإلكترونية للحفاظ على استمرارية التعلم.

ونظرًا لزيادة تأثر أجواء السلطنة بالأنواء المناخية خلال السنوات العشر الأخيرة، واستعدادًا لمثل هذه الأنواء المناخية المتوقعة، ينبغي أن تتواكب البنى الأساسية في السلطنة ومنها قطاع التعليم مع كل الانواء المناخية المحتملة، وتعزيز التوعية المجتمعية للتكيُّف مع التغيُّرات المتوقعة، كما يجب رفع مستوى الوعي والجاهزية لدى المجتمع وتطوير بدائل لتشغيل المدارس من خلال تفعيل منصات التعليم عن بعد كون هذا النمط من التعليم أصبح أمرًا ضروريا و ومتطلب هاما من متطلبات عصر الانفجار المعرفي والتكنولوجي، وسيُسهم بلا شك في الحفاظ على زمن التعلم وسلامة الطلبة والمعلمين وحماية الأرواح والممتلكات وتوفير الكثير من الجهود إذا ما تمَّ تقنينه وتفعيله بكفاءة وجودة عالية.

ويؤدي التعليم الإكتروني- أو ما يُعرف بالتعليم عن بعد بأنواعه المتعددة- دورًا مُهمًا في استمرارية التعليم في الحالات الطارئة كانتشار الأوبئة، أو الظروف المناخية، ويمكن توظيفه في ظروف أخرى يتعذر فيه تواصل الطالب مع معلمه في قاعات الفصول الدراسية لأسباب طارئة في حالة عدم جاهزية المبنى المدرسي نتيجة أعمال الإنشاء أو الصيانة أو شغول المبنى كمركز إيواء أو مقر انتخابي أو مركز امتحانات وكذلك في حالة حدوث الغياب الجماعي قبل الاختبارات النهائية من خلال تقديم دروس تقوية للطلبة عبر المنصات المتزامنة وغير المتزامنة حيث توفر هذه المنصات فرصة للطلاب للحفاظ على استمرارية تعلمهم والبقاء على اتصال دائم بالمنهج الدراسي.

ولضمان جودة التعليم الإلكتروني يجب أن ﻳﻜﻮن ﻟﺪى المؤﺳﺴﺎت التعليمية اﻟﺘﻤﻮﻳﻞ المناﺳﺐ ﻷﻧﺸﻄﺔ التعليم والتعلم وأن ﺗﻀﻤﻦ ﺗﻮﻓﻴﺮ ﻣﻮارد ﺗﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﻛﺎﻓﻴﺔ وﺳﻬﻠﺔ اﻟﻮﺻﻮل ﻟﻠﻤﺘﻌﻠﻤين وأن ﺗﻨﺸﺮ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﻋﻦ أﻧﺸﻄﺘﻬﺎ وﺑﺮاﻣﺠﻬﺎ ﺑﺸﻜﻞ واﺿﺢ ودﻗﻴﻖ وﻣﻮﺿﻮﻋﻲ يمكن اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻴﻬﺎ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﻟﻀﻤﺎن ﻣﻼءﻣﺘﻪ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ اﻷﻫﺪاف واﻟﻐﺎﻳﺎت الموﺿﻮﻋﺔ له.

 وفي السياق ذاته، أشارت رؤية "عُمان 2040" إلى أهمية تطوير النظام التعليمي بجميع مستوياته من خلال التركيز على رفع جودة التعليم المدرسي وتطوير المناهج والبرامج التعليمية ‘إضافة الى تطوير المؤسسات والكوادر التعليمية والتربوية وضمان استخدامها لتقنيات التعليم والتعلم الحديثة، وعليه ينبغي على وزارتي التربية والتعليم، والتعليم العالي والبحث العلمي والابتكار في السلطنة تحسين النظام التعليمي؛ بما يتناسب مع احتياجات التنمية، ويواكب مستجدات العصر ومتطلبات الثورة الصناعية الرابعة وعقد الملتقيات الوطنية والدولية بهدف وضع خطة استراتيجية فاعلة لتطوير التعليم الالكتروني ووضع أولويات تمهد للعمل لإيجاد استراتيجية وطنية تعتمد على التعليم الالكتروني وتوظيف أدوات الذكاء الاصطناعي؛ بما يحقق ﻣﺼﺎدر ﺗموﻳﻞ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ وﻣﺴتداﻣﺔ ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺒﺤﺚ اﻟﻌﻠﻤﻲ واﻻﺑﺘﻜﺎر وﻣﻮاﻛﺒﺔ ﻟﻤﺘﻄﻠﺒﺎت اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻟﻤﺴﺘﺪاﻣﺔ، وﻣﻬﺎرات اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ، وﺗﺪﻋﻢ ﺗﻨﻮﻋًﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎرات اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ المختلفة.

حفظ الله عُمان وقائدها وشعبها من كل شر ومكروه، وجعلها شامخة أبية مهابة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان.

تعليق عبر الفيس بوك