بناء المستقبل.. أفضل استراتيجية للعلاقات الصينية الأمريكية

 

تشو شيوان **

أجرى الرئيس الصيني شي جين بينغ اتصالًا هاتفيًا مع نظيره الأمريكي جو بايدن يوم الثلاثاء الماضي؛ حيث تبادلا وجهات النظر بشكل صريح ومُعمّق حول العلاقات بين البلدين والقضايا ذات الاهتمام المشترك، وهذا الخبر يجذب أنظار وسائل الإعلام العالمية مرة أخرى، لأن تأثير هذا الأمر بالغ الأهمية على العالم بأكمله.

وفي البداية يجب أن أوضح نقطة مُهمة وهي أن تصور الحكومة الأمريكية للصين يرتكز على سوء فهم خطير، في حين أن الصين تتفهم الولايات المتحدة جيدًا، وصحيح أن التوترات تصاعدت في السنوات الأخيرة فيما يتعلق بالتصعيد الأمريكي المتزايد، إلّا أن الحكومة الصينية لا تزال تحترم الولايات المتحدة على الرغم من العيوب الواضحة في تعاملاتها مع الصين، وتحديدًا ميل واشنطن إلى التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى واستخدام القانون الدولي لتحقيق مكاسب خاصة، وهذا ما تعارضه الصين جملة وتفصيلًا.

وخلال الاتصال الهاتفي، شدد الرئيس شي، على أن قضية التصور الاستراتيجي جوهرية للعلاقات بين الصين والولايات المتحدة مثل الزر الأول للقميص الذي يجب وضعه في مكانه الصحيح. لا نبالغ في القول إن العلاقات الصينية الأمريكية من أهم العلاقات الثنائية في العالم حاليا، حيث تعتبر الصين أكبر دولة نامية وثاني أكبر اقتصاد في العالم، أما الولايات المتحدة فهي أكبر دولة متقدمة وأكبر اقتصاد في العالم، وكلاهما من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فإنَّ دولتين كبيرتين مثل الصين والولايات المتحدة يتعين ألا تقطعا علاقاتهما مع بعضهما البعض أو تديرا ظهريهما لبعضهما البعض، ناهيك عن الانزلاق في صراع أو مواجهة. وعلى أساس ذلك، يتعين على البلدين احترام بعضهما البعض، والتعايش في سلام، والسعي نحو تحقيق تعاون مربح للجانبين.

وخلال السنوات الأخيرة، واجهت العلاقات الصينية الأمريكية صعوبات خطيرة. وفي اعتقادي أن السبب الجذري هو أن بعض السياسيين في الولايات المتحدة يحملون عقلية الحرب الباردة واللعبة الصفرية ويصرون على وضع الصين كمنافس إستراتيجي رئيسي والتحدي الجيوسياسي الأكثر أهمية، مما يشوه فهمهم للصين بشكل خطير. فنشهد التوترات المستمرة بين البلدين، قد شهدنا الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، شهدنا فرض العقوبات الأمريكية على الشركات التكنولوجية العالية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي والرقائق وأشباه الموصلات، وشهدنا الوضع المتوتر في مضيق تايوان، وشهدنا الوضع المتوتر في بحر الصين الجنوبي في حين الولايات المتحدة ليست طرفا في قضية بحر الصين الجنوبي، وينبغي ألا تتدخل في الشؤون بين الصين والفلبين، وأن الصين لديها إرادة وتصميم على نحو قوي لحماية سيادتها الإقليمية وحقوقها ومصالحها البحرية وفيما يخص هونغ كونغ فإن الجانب الصيني أعلن بوضوح أن هونغ كونغ صينية وشؤون هونغ كونغ هي شؤون داخلية صينية بحتة وليس من حق الولايات المتحدة أن تتخذ أي موقف حيال ذلك، وكل هذه التحركات قد أدت إلى تأثيرات سلبية للعلاقات الثنائية.

كما قال الرئيس الصيني شي جين بينغ إن العلاقات الصينية الأمريكية يجب أن تستمر في المضي قدماً بطريقة مستقرة وسليمة ومستدامة، بدلا من العودة إلى الوراء. ويصادف هذا العام الذكرى الـ45 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والولايات المتحدة. وقبل 45 عاماً، أسس قادة الجيل الأكبر سنا في الصين والولايات المتحدة، برؤيتهم الاستراتيجية المتميزة وشجاعتهم السياسية غير العادية، مبدأ الصين الواحدة، مما فتحوا الباب الذي كان مغلقا لسنوات عديدة، وسمحوا للبلدين المنفصلين منذ فترة طويلة الدول الكبرى لبدء التبادلات الشاملة. على مدى السنوات الخمس والأربعين الماضية، تغلبت العلاقات الصينية الأمريكية على الصعوبات، وأزالت التدخلات، ومضت قدما. وقد وصل نطاق التعاون، وعمق المصالح المتشابكة، وحجم التأثير إلى مستويات غير.

سواء كان ذلك في المجالات التقليدية مثل الاقتصاد والتجارة والزراعة، أو في المجالات الناشئة مثل تغير المناخ والذكاء الاصطناعي، وسواء كان الأمر يتعلق بتعزيز الانتعاش الاقتصادي العالمي أو حل القضايا الساخنة الدولية والإقليمية، فإنَّ الصين والولايات المتحدة لديهما مصالح مشتركة وجهود مشتركة. وعلى أساس ذلك، يتعين على الولايات المتحدة العمل مع الصين في منتصف الطريق، وإرساء فهم استراتيجي صحيح، والتعامل مع القضايا الحساسة بشكل صحيح، والحفاظ على زخم استقرار العلاقات الصينية الأمريكية، واستكشاف الطريق الصحيح للتوافق بشكل فعَّال، وتعزيز التنمية المُستدامة والمستقرة والصحية للعلاقات الثنائية.

وقد قامت الصين دائمًا بتطوير العلاقات الصينية الأمريكية من خلال موقف يتسم بالمسؤولية تجاه التاريخ والشعب والعالم، وترغب الصين في العمل مع الولايات المتحدة لتعزيز التنمية المستقرة والصحية والمستدامة للعلاقات الصينية الأمريكية، والسعي وراء المزيد من الفوائد. وذلك من أجل شعبي البلدين، والمساهمة في المجتمع الدولي، وتوفير المزيد من المنافع العامة والعمل بشكل مشترك على بناء عالم ينعم بالسلام الدائم والأمن العالمي والرخاء المشترك والانفتاح والشمول والنظافة والجمال.

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية