انهيار اللوبي الصهيوني

 

 

عائشة السريحية

لعلَّ البدء في الحديث عن مقدمة ابن خلدون سيكون بمثابة إشارة لصيرورة ما يحدث الآن وسيحدث في رقعة العالم المتسعة جغرافيا، والمرتبطة جيوسياسيا، ونخلص إلى مؤشرات تعيد تشكيل الخارطة من جديد.

إن الحديث عن اللوبي الصهيوني مرتبط ارتباطا وثيقا بالولايات المتحدة الأمريكية وسياسيتها، والدرع الذي تستخدمه لحماية اللوبي من خلال مركز الاحتلال في قلب الأمة العربية، وكانت تستند استنادا تاما على حملات الدعاية والاستغلال البشع والوهمي لما يُقال عنه الهولوكوست لكسب تعاطف العالم وإعطاء اليهود شرعية وحق الولادة في احتلال واستيطان الأراضي العربية الفلسطينية.

ونجحت حقيقة الأمر منذ وعد بلفور -ومنذ العام 1948م بداية الاحتلال الإسرائيلي لدولة فلسطين- في أن تغسل أدمغة البشر حول العالم، بتصوير العربي والفلسطيني بالذات كشيطان معاد للسامية، ومعتد أثيم، فكسبت الشعبية والتعاطف العالمي مع ما يفعله الصهاينة في الفلسطينيين، تحت تعتيم وتضليل إعلامي مكثف عمل على استغلاله اللوبي الصهيوني من خلال السيطرة على أهم القنوات الإعلامية، والجرائد الرسمية والشهيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، فكانت الأخبار تصاغ بطريقة احترافية لشيطنة المظلوم وتصوير الصهاينة في فلسطين كحملان وديعة تحاول العيش بسلام.

لكن اليوم وقد تغيرت قواعد اللعبة، فلم يفكر أولئك الذين أكل عليهم الدهر وشرب، أنهم شربوا من نفس الكأس، ولم يُدركوا أن الأجيال الجديدة اختلف تفكيرها، واختلفت مصادر تلقيها للمعلومة، وأن وسائل التواصل الاجتماعي صارت كاشفة لكل الأكاذيب والتضليل الإعلامي الذي كان ينجح سابقا على مدار خمسة وسبعين عاما، بل إنهم كلما زادروا في إخفاء الحقيقة، ركضت الشعوب من الجيل الشاب للوصول والتعمُّق أكثر للبحث عن الحقيقة، طارد الجيل الشاب المسؤولين في كل مكان ثقفوهم فيه، قامت المظاهرات بشكل شبه يومي، عزلت أمريكا نفسها بعيدا عن دول العالم، أصبحت سمعتها في الحضيض، وكذلك المدعوة إسرائيل!

ولأول مرة، تُصبح لديها صحيفة سوابق، ومتهمة بإبادة جماعية، ولأول مرة تفقد تعاطف الشعوب الغربية بعد أن فضحت حقيقتها على مرأى ومسمع العالم، حتى الدول الموالية لأمريكا، أو تلك التي ترجو مصالحها، أو تلك التي تمارس عليها أمريكا لعبة الجزرة والعصا، جميعها لم تعد تجد مُبرِّرًا أمام شعوبها لتستمر في دعم الكيان الصهيوني.

ورغم التضحيات الكبيرة والعظيمة التي تقدمها غزة دمًا وجراحًا وجوعًا، إلا أنَّ آيات النصر تشكلت، وباتت الأصوات التي تعادي المقاومة أيًّا ما كانت أسبابها تتضاءل وتفقد مصداقيتها، فالشجر والحجر يحكي ما يحدث، وعدسات الكاميرا تنقل الوقائع، ويظهر الشيطان الحقيقي بقرنيه، ليؤشر الجميع إليه بإصبع الاتهام.

وأستطيع القول إنَّ اللوبي الصهيوني حين تتكسر أوصاله، وتبدأ الشعوب التي تعد الفيصل في مسألة الانتخابات، تبدي امتناعها عن التصويت لأولئك الذين يقبضون الثمن من اللوبي الصهيوني، ستغير قواعد اللعبة، وكما يقال مجبرا أخاك لا بطل، وحين كان الهدف إغلاق الملف الفلسطيني، وتحقيق السمعة التي خططت لها أمريكا وإسرائيل حول الأمن والأمان لتكون قوة عسكرية مخيفة لدول المنطقة، تستخدم في الوقت المناسب، وكذلك قوة اقتصادية جاذبة للاستثمارات والمشاريع الإستراتيجية الضخمة، وبتمييع القضية وتهجير السكان الأصليين وسط صمت القريب قبل البعيد، لم يسكت الفلسطيني عن حق الدفاع عن النفس، وجاءت انتفاضة السابع من أكتوبر كصفعة للعالم لتجعله يفيق من سباته، ويعلم كمية المعاناة التي يتجرعها أبناء هذا البلد المظلوم منذ عقود طويلة.

وكنتيجة طبيعية لفقدان الحاضنة الإعلامية، وفقدان المصداقية للجانب الصهيوني، والضغوطات التي نشهدها كل يوم من الشعوب وما تفعله حركات المقاومة في الدول العربية من وسائل ضغط من أجل إيقاف الحرب سواء أعجبت البعض أم لم تعجبهم، إلا أن كل ما يحدث سيفتت اللوبي الصهويني، وسيتحرَّر العالم من عبوديته، رغم الاندفاع اللامحسوب من إدارة البيت الأبيض، في دعم الصهاينة كونهم هم جزءا منها، سيجعلهم يخسرون خسارة عظيمة سواء لمناطق نفوذهم في تايوان أو أوكرانيا وستجعل تلك المراكز تضعف، بل ربما تود الإدارة الحالية أن تقايض كل شيء مقابل الحصول على فلسطين المحتلة، وهذا يجعلنا نفكر مليًّا: لماذا كل هذا الإصرار على إنقاذ إسرائيل، رغم أن الفلسطينيين أنفسهم مستعدون لأخذ نصف دولة بحدود 1967؟ أليس من العجيب أن تجعل أمريكا نفسها في عزلة من أجل إنقاذ الحكومة الإسرائيلية، ولو كلَّفها ذلك خسارة دول العالم، أو إنشاء مكوِّن جديد بدلا من مجلس الأمن الحالي الذي تآكل فيه الفيتو من كثرة ما تم استخدامه لحماية إسرائيل المدانة عالميا؟

إذن؛ الهدف ليس فقط غزة، إنما الهدف مخطط استعماري شامل، بدأت خطته منذ أسست للكيان اللقيط دولة، وسيشمل ذلك المنطقة برمتها، بعد أن أشعلت فيه أمريكا ومن تحت يدها الفتن والقلاقل وبسبب وبدون سبب دمرت معظم الشعوب وقدراتها العسكرية، إلى حدث لم يأتِ أوانه بعد.. ولكنهم يشاؤون والله يفعل ما يشاء.