علي بن سالم كفيتان
آمنت قبل مدة من الزمن بأن أكون عضوًا في إحدى الجمعيات الفكرية (الكتاب والأدباء أو الصحفيين)، وهنا أطلقتُ عليهما الجمعيات الفكرية؛ كونهما يشتغلان على الفكر ويخاطبان المجتمع من خلال الوعاء الثقافي، وعاهدت نفسي ألا أرشِّح نفسي لمجلس إدارة أي جمعية أنتسب لها أو حتى مكاتبها الفرعية، ليس ترفُّعاً ولا تشككاً في الأهداف والغايات النبيلة التي دَفَعت الحكومة الرشيدة لإجازتها وإشهارها، وإنما من باب: "رحم الله أمرأ عرف قدر نفسه"، فأنا كما عهدت نفسي لا أجيد مهارات الحشد ولا أفضِّل العلاقات الممتدة، وإن شئتم سموها المتجذرة، تربطني بالناس فقط لحظات عمل أو لقاء عابر أو مجاملة اجتماعية خفيفة في حالات الفرح والحزن، أمقُت استخدام المنابر للدعاية الشخصية، ففيها الكثير من حرق ذوات الآخرين في الذات الواحدة، وطريقها لا بد له من سلالم متعرِّجة وحبال طرزانية تقذف بصاحبها في الهواء ليجد نفسه على القمة النامية من وريقات خضراء، كانت نتيجة لآخر القطرات التي صبها آخرون على كومة التراب في الأسفل قبل سويعات من موعد الاستحقاق الانتخابي.
تنمو هذه الأجساد النائمة فجأة لتبلغ رشدها في أسبوع، وتموت كحشرة كُتب لها العيش فقط للتزاوج ووضع البيض، وبعدها تصبح قوتاً لكتائب النمل التي لا تهدأ على جذوع الأشجار وشقوق الأرض العميقة، أتدرون قرَّائي لَمْ أتخيَّل يوماً أننا نملك هذا الكم الهائل من الكُتَّاب والصحفيين المحتشدين في القاعات والمنادين بتجديد البطاقات والداعمين للقدرات الخارقة لقوائمهم، فأنا لم أرَ كثيرًا من هؤلاء منذ أعوام في أي محفل أدبي أو صحفي، إنهم ينبتون كالفطر بعد المطر، ولا بد من رعد هادر لموسم رخاء يُغاث فيه الناس ويعصرون بكل المقاييس النتيجة محسومة، وهي نفسها منذ عدة دورات مع إزاحة بعض الوجوه ودخول أخرى لتجديد الوضوء ليس إلا.
نعتقدُ أنَّ الضعفَ المهنيَّ الذي يخيم على هذه الجمعيات منذ إشهارها يأخذ عدة جوانب؛ أبرزها النظرة المجتمعية لدورها، فهي في نظر العامة أجساد تم إنشاؤها لتكتمل الصورة بوجود جمعيات مهنية غير حكومية كنوع من الأكسسوارات الواجب ارتداؤها في مرحلة من الزمن، وهذا الانطباع ولَّد نفورَ المحترفين وانزواءهم بعيدا عن المشهد، وتُرِكَت الساحة على مصراعيها للهُواة الذين يجيدون السباحة في البرك الرسمية، ويستطيعون حشد الدعم المالي من القطاع الخاص، ليتم استنفاذه لاحقاً في أمور بعيدة كل البعد عن تطوير الفكر وخلق رأي عام مسؤول وحرية تعبير تُسهم في تجويد الأداء ورسم السياسات التي تُسَاعِد الحكومة على المضي قدما في نهج التجديد، وللأسف فإنَّ الجهات الراعية -سواء التي تشرف على أنشطة هذه الجمعيات، أو المنوط بها المتابعة المهنية- لا تغير ساكناً وكأنها تفِّضل السيناريو الحالي وترغب في استمراره، رغم أن هذا لا يخدم المشهد الفكري في البلاد.
وهنا.. لا بد من تحميل المثقف والكاتب والصحفي المهني كذلك المسؤولية؛ فالهروب ليس هو الوسيلة الناجحة للتغيير، بل الإقدام على تبنِّي نهج التنافس والقبول بالنتائج، فقد لا تتوفق قائمة معينة هذه الدورة، ولكنها دفعت بوجود بديل، ويجب البناء للدورات القادمة والدخول لمعترك استقطاب الوجوه الجديدة التي يتم تأطيرها لبلوغ الغايات، فعددٌ لا يُستهان به من مُنتسبي تلك الجمعيات مجرد أسماء عبرت طريق الانتساب بسهولة دون عناء، وفي المعظم لا يوجد نتاج أدبي أو نشاط صحفي يكاد يُذكر لهؤلاء، لكنهم باتوا مخزون جيد لحسم نتائج الانتخابات.
طَوَت جمعية الصحفيين العُمانيين صفحتها قبل أيام بمشهد مُكرَّر لدورات سابقة، وينتظر ذات المشهد جمعية الكُتاب والأدباء في السادس من مارس المقبل، رغم وجود قوائم تحمل أسماءً بارزة لها مكانتها المهنية والأدبية في الفضاء الوطني والإقليمي، وحتى الدولي، لكن رُبما قلة الخبرة في التعامل مع مشهدنا الثقافي المتلوِّن هو ما يجلب الخسارة لمثل تلك القوائم المرصعة بالأسماء الفاعلة التي تحظى باحترام الشارع العُماني، لكنها لا تمتلك ذات الدعم من المنتسبين الجدد لتلك الجمعيات؛ فحملات التجديد للعضوية على قدم وساق، والدعوة لنيل التفويض لا تكاد تهدأ لمن حالفهم الحظ بالتجديد قبل الإغلاق، في ظل عدم وجود دعاية انتخابية أو برامج أو خطط للمشهد الأدبي أو الصحفي لتلك القوائم التي تشحذ الهمم لليوم الموعود... حفظ الله بلادي!!!