اندماج البنوك العمانية

 

 

حمود سنجور الزدجالي

ظهرت منذ فترة محاولات لاندماج بعض البنوك العمانية، وهذا توجُّه محمود؛ لأنه سيأتي من هذا الاندماج بنوك جديدة قوية ومقتدرة، وبرأسمال كبير وقوى بشرية متمكنة من إدارة البنك العملاق الجديد لصالح الاقتصاد الوطني، وهذا ما تحتاجه السلطنة لتحقيق الرؤية الاقتصادية المتكاملة التي يتطلع إليها الجميع.

إنَّ تفكير البنوك في الاندماج والتملك وتوحيد الأعمال المصرفية، من الأمور المهمة لتطوير العمل المصرفي، إضافة إلى أنه يصبح أمرا طبيعيا ضروريا وتحوطاً احترازيا يجد التقدير، ولقد سعت بعض البنوك العمانية في الماضي للاندماج والاستحواذ، ونجحت في ذلك وحققت نتائج باهرة، ونأمل أن يكون لهذا التصور الاندماجي أثر وحمى (Domino effect) لدى كافة البنوك؛ لأن في الاتحاد والوحدة قوة لا تُقدَّر بثمن.

وتقديرا للأوضاع الاقتصادية في المنطقة وفي كل العالم؛ فمن المستحسن أن تقوم البنوك المركزية -بصفتها الإشرافية والراعية "الأبوية"- بتشجيع الاندماج والتملك والاستحواذ لتكوين كيانات مصرفية قوية تستطيع مجابهة الهزات والعواصف القوية التي تعصف بالصغار والضعفاء. وعلى البنوك المركزية بالنسبة لاندماج البنوك -في نظرنا- أن تتقمَّص شخصية الوالد الذي يفرح ويشجع زواج الأبناء ويدعمه، ولكن لا يفرض شروطه بل يتركها لرغبة الأبناء الذاتية.

إنَّ اندماج البنوك له مُتطلبات قانونية عديدة لا بد من تنفيذها والالتزام بها؛ حمايةً للحقوق وحفاظا للواجبات وكل التوابع الأخرى. ولا شك أنَّ رؤساء وأعضاء مجالس إدارة البنوك لهم القدح الأعلى؛ لأن الخطوة الأولى وضربة البداية تبدأ عندهم ومنهم ولهم. وهنا نقول إنَّ على هؤلاء الأعضاء تجشُّم روح القيادة والتجرُّد، والسعي بجدية نحو تحقيق الاندماج، إذا كان في هذا مصلحة البنك. نقول هذا لأنَّ بعض مجالس الإدارات، أو بعض الأعضاء، يقفون ضد أي فكرة للاندماج أو ما شابهها؛ انطلاقا من الحفاظ على "الكرسي"، وما يتبعه من هالة ومادة ومكانة في المجتمع. وفي مثل هذه الحالات، فإنَّ المساهمين يكون لهم دور مفصلي من أجل ترجيح كِفَّة ما لصالح الفائدة للشركة خاصة والمجتمع عامة.

ومن الخطوات القانونية التي تسبقها الدراسات الفنية والعديد من الخطوات الإدارية التنفيذية، موافقة المساهمين ومجلس الإدارة عبر إصدار قرار واضح يتضمَّن الاندماج، أو غيره من الخطوات الخاصة بالملكية، وتفاصيل كيفية تنفيذ القرار المشفوع بموافقة السلطات الإشرافية الرقابية ذات الصلة، خاصة البنك المركزي. وقبل هذه الموافقات الداخلية والرسمية، في العادة، تقوم البنوك بتشكيل لجنة لبحث تفاصيل الاندماج والاتفاق على المبدأ أولا، ثم التفاصيل المكملة؛ مثل: اسم البنك "الجديد" بعد الاندماج، وتشكيل مجلس الإدارة ورئيس المجلس، والمقر الجديد، والإدارة التنفيذية العليا، ومقدار رأس المال وملكية الأسهم، وسعر الأسهم، وقيمة الأصول، وثمن الشهرة "Goodwill" والسمعة التجارية...إلخ.

إنَّ النقاش حول هذه التفاصيل يُشكل حجر الأساس للمشروع الجديد الذي قد يكتمل أو قد ينتهي عند عتبة هذه اللجان لعدم الاتفاق النهائي، أو ربما لتعارض وتنازع المصالح، وغيرها من الظروف والمستجدات الداخلية والخارجية.

أيضا، من الناحية القانونية، لا بد من الإشارة إلى أنَّ السلطات الرقابية والجهات الحكومية الإشرافية وذات العلاقة قد لا توافق على الاندماج إذا رأت أنه ضار، أو قد يضر، بالمنافسة التجارية الشريفة بصفة عامة، أو على القطاع المعني بصفة خاصة، أو يقود للهيمنة والاحتكار الضار بالمستهلك وأصحاب وذوي العلاقة...إلخ. ولقد رأينا سوابق عديدة لأنَّ السلطات الرسمية في أوروبا وأمريكا اعترضت على بعض الاندماجات؛ لأنها قد تأتي بنتائج عكسية وتضر بالمنافسة والتجارة الحرة وحماية المستهلك. ولا شك أنَّ السلطات المختصة هنا ستأخذ بهذه النقاط في الاعتبار قبل منح الموافقات النهائية.

وكحقيقة ثابتة، فإنَّ حدوث الاندماجات سيخلق وحدات مصرفية قوية ومتمكنة لتقديم أفضل وأمثل الخدمات للزبائن ولكل الحركة الاقتصادية والتجارية في البلد والمنطقة. لذا، على الجميع الوقوف لتحقيق هذه الأمور لأن انعكاساتها الإيجابية و"نعمها" لا تحصي. ومن العلاقة الجديدة سيتم ميلاد ابن شرعي يحبه الجميع لأنه سيخلق وضعا مصرفيا خاصا ومتميزا يؤدي لإحراز أهداف جميلة يستمتع بها الجميع، وهذا هو المبتغى؛ لأنَّ النجاح في هذا المسعى سيحمِّس البنوك الأخرى بل وكل الشركات التجارية الأخرى ذات الوزن والدور المهم للسير في طريق الاندماجات والوحدة؛ مما يخلق قواعد اقتصادية قوية ومتمكنة للعب أدوار مفيدة للاقتصاد الوطني.

تعليق عبر الفيس بوك