حكايتي مع الدقم

 

فايزة سويلم الكلبانية

Faizaalkalbani1@gmail.com

 

أجواء مناخية مثالية تغلف "الدُّقم" بالجاذبية، وتفتح المجال أمام حديث جاد لاستثمارات أكبر في القطاعات السياحية والتجارية واللوجستية والتطوير العقاري والطاقة المتجددة والعقارات والصناعات الخضراء والصناعات السمكية، وتعظيم إمكاناتها لتسهيل وصول الراغبين في الاستجمام إليها؛ سواء من داخل السلطنة أو خارجها.

واليوم امتدادًا لسلسلة الإنجازات التي تشهدها الدقم يفتتح حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- مصفاة الدقم والصناعات البتروكيماوية، بحضور أخيه صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح أميرُ دولة الكويت الشقيقة، والذي يقوم حاليًا بزيارة "دولة" لسلطنة عمان، والتي يأتي افتتاحها تتويجًا للعلاقات لاسيما تلك المتعلقة بالتعاون الاقتصادي المُثمر بين البلدين الشقيقين، بقيمة استثمارية تبلغ 9 مليارات دولار أمريكي؛ حيث تعد أكبر مشروع استثماري بين سلطنة عُمان ودولة الكويت الشقيقة، وقد أقيم بالشراكة بين مجموعة أوكيو -المجموعة العالمية المتكاملة للطاقة- وشركة البترول الكويتية العالمية.

****

وأنا أكتب سطور مقالي هذا أعود بذاكرتي لسنوات عدة ماضية، منذ أن وطأت قدماي أرض الدقم، وخرجنا قاصدين الطريق إلى فندق "المدينة"؛ حيث محل إقامتنا، قفزت إلى مخيلتي تلك الصورة التي وجدت عليها المنطقة، خلال زيارتي الأولى لها في العام 2011 في مهمه إعلامية استكشافية مع عدد من الزملاء الإعلاميين وفريق الحوض الجاف أنذاك؛ ، بعدها جاءت الزيارة الثانية في يونيو 2012 لتغطية فعاليات حفل الافتتاح الرسمي لمشروع مجمع الحوض الجاف، على متن حافلة شقت طريقها لست ساعات تقريبًا، والذي جاء تحت رعاية صاحب السمو السيد حمد بن ثويني آل سعيد بمنطقة الدقم الاقتصادية الذي يعد مشروعًا عملاقًا يساهم في دعم الاقتصاد الوطني بشكل كبير ويعزز مكانة السلطنة دوليًا كما يعد إنجازًا كبيرًا مؤهلًا للدخول في نوع جديد من الصناعات البحرية وتقديم بصمة بارزة في مجال خدمات صيانة وإصلاح السفن بمختلف الأحجام بما فيها سفن النفط والغاز العملاقة، كما تم في الوقت ذاته الاحتفال باستقبال مطار جعلان لأول طائرتين بعد تطويره كبداية لرحلات قادمة تمهد لاجتذاب وتسهيل وصول المستثمرين إلى المنطقة.

ثم بعد عدة سنوات شاركت في افتتاح مطار الدقم؛ حيث وصلنا بعد رحلة طيران لم تستغرق سوى ساعة واحدة، وفي هذا اليوم وجدت الفرق واضحًا؛ حيث ملامح التمدُّن والعمران في كل مكان، وقبلها لم ألمح عمودًا واحدًا للإنارة على جنبات الطريق.. في هذا اليوم تحتضن هذه الرقعة الثمينة من أرض الوطن عددًا من أفخم المنتجعات والفنادق التي تعد ملاذًا للاسترخاء والاستثمار معًا، وأنا في طريقي إلى كراون بلازا، المجاور لفندق بارك إن والذي شهدت أيضًا التغطية الإعلامية لمراسم افتتاحه، فيما لم يكن على نفس الأرض سوى فندق واحد في زيارتنا الأولى التي لا تغيب تفاصيلها من الذاكرة وهو "فندق المدينة".

وبَيْن هذه وتلك، اليوم بدأتْ أحدِّث نفسي بما نلمسه من مظاهر التمدن والحياة الأخاذة، وما أوجدته من حياة واعدة للدقم، والتي بالطبع ضَمِنت الأولوية لأبناء الولاية في الاستفادة من هذه المشاريع، وخلق فرص عمل وتوظيف حقيقية، إلى جانب فرص التأهيل والتدريب ومدى استفادة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بأنشطتها بعقود عمل ضمن حزمة المشاريع الموجودة. إنها جُملة من ملامح المسؤولية الاجتماعية التي من المفترض أن تكتمل، بالتوازي مع ملامح العمران والنماء في المنطقة، لمواصلة عملية التطوير، وهذا هو ما عمل عليه فريق العمل في هيئة المنطقة.

*****

يفرضُ التطوُّر المتلاحق في حجم المشاريع القائمة في تلك المنطقة، أن تحمل الرؤى المستقبلية مزيدًا من الأمل في أن تتضاعف الجهود والاستثمارات -المحلية والأجنبية- وأن تتسارع خطى الاستفادة التنموية مما تحقق، لنشهد على أرض عُمان منطقة لمشروع "المدينة الصينية"، تحجز مكانها بارزًا على خارطة الاقتصاد والتجارة العالميين في أسرع وقت. مع منح المستثمرين الجادين تسهيلات في الإجراءات والتراخيص وخطط التنفيذ، لضمان الاستفادة القصوى.

***

وسجلت مؤشرات الاستثمار تقدمًّا مستمرًّا ونموًّا متتاليًا؛ حيث تشير الإحصاءات الصادرة عن الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية والمناطق الحرة والتصريحات الإعلامية الأخيرة إلى أن "هناك مشروعات استثمارية قيد الإنشاء حاليًّا في المنطقة تبلغ تكلفتها حوالي 1.8 مليار ريال عُماني ليرتفع حجم الاستثمارات في الدقم إلى 6 مليارات ريال عُماني منها استثمارات بقيمة 4.2 مليار ريال عُماني لمشروعات قائمة، وهناك مشروعات أخرى كبيرة قيد التفاوض مع الهيئة والجهات الحكومية الأخرى التي من المتوقع أن يتم الإعلان عنها خلال الفترة المُقبلة"، وأنَّ العملية التسويقية قائمة على التوسع لبحث أسواق جديدة أخرى.

 كما يعتبر مشروع الحوض الجاف أحد القطاعات النوعية في السلطنة، جنبًا إلى جنب مع حجم المشاريع بالمنطقة ومعالمها التنموية كميناء ومطار الدقم، وحديقة الصخور، والمنطقة العمالية، والمصفاة ومحطة استقبال الغاز الطبيعي وميناء الصيد البحري، ومحطة تخزين النفط برأس مركز، ومصنع كروة لإنتاج الحافلات، ومصفاة إنتاج حامض السيباسك... وغيرها.

****

كما شهدت في زيارة أخرى التشغيل المبدئي لقرية النهضة، كأضخم مشروع سكني بمنطقة الدقم مُخصَّص للعاملين في الشركات العاملة هناك، بسعة 16 ألف سرير آنذاك وقد تكون هناك الجديد اليوم في هذا الشأن، ليساند مشروع "واجهة الدقم". والترقب في الانتهاء من مشروع "السكة الحديد" -المقرر أن يُحدث نقلة نوعية في تنشيط الحركة التجارية هناك- لتكتمل للدقم كافة السبل المهيِّئة لاستقبال المستثمرين، كرافد واعد للتنمية.

لكن الأمر لا يزال بحاجة للتسويق والترويج لجذب الاستثمارات وتنشيط السياحة فيها في ظل ما تشهده السنوات الأخيرة من تقدم وتطور ملموس، ولا زال هناك تحدٍ فيما يخص "ضعف عدد السكان بالدقم" بحاجه للاهتمام به بشكل أكبر، لابد من اتباع سياسة لزيادة عدد السكان لبناء اقتصاد قوي بأفكار جديدة، ولاسيما وأن الدقم منطقة اقتصادية استثمارية واعدة، وقد يتمثل ذلك في المزيد من الحوافز الاستثمارية لرواد الأعمال والمستثمرين للاتجاه بشكل أكبر للدقم.

****

ومن جهتنا كأبناء لهذا الوطن الغالي، علينا مساندة الحكومة والقطاع الخاص في تلك المهمة، ولو بشكل عفوي من خلال مختلف وسائل التواصل الاجتماعي؛ فلنفعِّل حساباتنا لأجل تنمية عُماننا.

فشكرًا لكل القائمين على إنجاز تنمية المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم.