د. محمد بن عوض المشيخي **
إدارة الأزمات تحتاج إلى أشخاص غير عاديين مُختارين بعناية، يتمتعون بسُمعة عالية وخبرة فريدة في مجال حل المعضلات التي أُسندت إليهم، فتقديم الحلول الواقعية والمنطقية القائمة على الدراسات العلمية والتجارب المحلية والعالمية غايةٌ أساسية للقائمين على تلك الملفات الساخنة.
والهدف الأساسي من وجود قادة مدربين لمواجهة التحديات، يتمثل في تقديم الحلول الجذرية لهذه المشكلات التي تواجه المجتمع وتشكل قلقًا وتوترًا للناس، أو على الأقل التقليل من آثار تلك المشاكل وحلحلتها والعمل على تغيير مسارها إلى الاتجاه الصحيح. فلا يمكن الانتصار على الأزمات والنجاح في حلها، إلّا بالمراهنة على خبراء سبق لهم أن درسوا برامج متقدمة، وخاضوا دورات متخصصة في هذا العلم الدقيق والفريد من نوعه، والمعروف بعلم "إدارة الأزمات".
من المفارقات العجيبة أن تكشف لنا الأحداث التاريخية الكبرى في أنظمة الحكم في العالم، أنه بين كل عهد وعهد جديد هناك أزمات طاحنة تعد اختبارًا للقادة الجدد، وتكشف لنا الأيام مدى قدرتهم على إدارة شؤون الدولة، على الرغم من وجود تلك الأزمات.
والأزمة مفهوم قديم يعود أصوله التاريخية إلى الطب الإغريقي، "وتعني نقطة تحول بمعنى أنها لحظة قرار حاسمة في حياة المريض". ثم دخل المصطلح إلى العلوم الإنسانية في القرون الأخيرة للدلالة على ارتفاع درجة التوتر في العلاقات بين الدول، وكذلك يعنى في جانبه الإنساني "خلل وعدم التوازن في النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للمجتمع، في ظل حالة من القلق والتوتر والشعور بالعجز"، بينما الأزمة في اللغة الصينية عبارة عن كلمتين مركبتين (Ji-Wet) الأولى بمعنى خطر، والثانية تشير إلى الفرصة التي يمكن استثمارها وتحويلها إلى مفهوم إيجابي ومكسب، بعد زوال الخطر والسيطرة على المشاكل التي سبق أن تحولت بمرور الأيام إلى أزمة حقيقة.
ولكي نتجنب حصول الأزمات والكوارث أو نقلل من آثارها على الناس، علينا دارسة وتحليل المخاطر "Risks" التي هي عبارة عن تهديدات واقعية قد تواجه الدول أو الشركات أو الأفراد في الأوقات الصعبة، وتتطلب معرفة هذه المخاطر، العمل على تشكيل فريق متخصص تسند له إعداد خطة عمل مسبقة ومتكاملة، لمواجهة الأزمات المفترضة التي قد تشكل تهديدات داخلية أو خارجية لكيان الدولة أو المجتمع. فلا شك أن المخاطر تعتبر الأرضية الخصبة لحدوث الأزمات المستقبلية.
وبشكل عام.. تعتمد استراتيجية إدارة المخاطر على استقراء المستقبل والتنبؤ بطبيعة المشاكل والمعضلات التي قد تتحول إلى أزمات وطنية وإقليمية في المستقبل القريب. وعلينا بالدرجة الأولى التعرُّف عن قرب على المشاكل والتحديات الاقتصادية والسياسية، التي تواجه المجتمع العماني وخاصة الشباب، وعلى وجه الخصوص أزمة الباحثين عن عمل التي هي في موقع الصدارة على المستوى الوطني منذ تسعينيات القرن العشرين، في غياب حلول واقعية تأخذ بعين الاعتبار كافة الأبعاد الإنسانية لهؤلاء الشباب، وإحجام أصحاب الشركات الكبيرة عن إحلال الكوادر العمانية التي تحمل شهادات عليا في الوظائف القيادية في القطاع الخاص الذي تتوفر فيه عشرات الآلاف من الفرص التي يمكن أن تحل هذه المشكلة المزمنة أو تقلل من تداعيتها على الأمن الوطني، كذلك توسيع المشاركة الاجتماعية في صنع القرار الوطني على المستوى القاعدة العريضة من مختلف أطياف الشعب العماني، وعدم الاكتفاء بالصلاحيات الممنوحة للمجالس المنتخبة مثل مجلسي الشورى والبلدي فقط، وذلك من خلال إجراء استطلاعات الرأي لفئة الشباب في مختلف محافظات السلطنة، ثم العمل على استخلاص النتائج المعبرة عن الإجماع الوطني في مختلف القضايا المستقبلية للوطن.
لا يُمكن السيطرة على أي أزمة أو حتى التقليل من آثارها الكارثية، إلّا بوجود إعلام وطني صادق يكون سندًا وليس خصمًا في إدارة الأزمات الطارئة؛ فنحن نحتاج إلى العديد من المبادئ الأساسية لكي تكون حاضرة في مثل هذه الأوقات الصعبة. ولعل الاستعداد لما هو غير متوقع أو الأسوأ من خلال خطة إعلامية واضحة المعالم تحدد ما يجب نشره من المعلومات للرأي العام تشكل حجر الأساس في السيطرة على الأوضاع والمشاكل الموجودة، كما يجب تحديث تلك الخطة باستمرار لكي تتناسب مع تطورات الأزمة المفترضة.
لا شك أن العمل الإعلامي، يجب أن ينطلق من مبادئ الصدق والشفافية والموضوعية والتوازن، لكي نكسب الجمهور. كما إن بناء جسور التعاطف مع المتضررين من تلك الأزمات أمر في منتهى الأهمية بالنسبة للقائم بالاتصال.
من هنا تأتي الحاجة لتأسيس شراكة حقيقية مع وسائل الإعلام المحلية المؤثرة، العام منها والخاص أمر في منتهى الأهمية، كما إن تكوين علاقات شراكة مع الإعلاميين وكتاب الرأي في الصحافة العمانية، ورواد وسائل التواصل الاجتماعي للاستعانة بهم في نشر المعلومات الصادقة والحقيقية والتي ترغب الجهات الرسمية توصيلها للمجتمع بأسرع وقت، بعيدًا عن الذين ينشرون الشائعات والأراجيف التي تهدف إلى نشر الفتن والتأثير على عقول الناس وتضليلهم.
وفي الختام.. إنَّ اشهار مركز متخصص في إدارة الأزمات الوطنية المختلفة، السياسية منها والاقتصادية؛ بل وحتى الكوارث الطبيعية التي أصبحت سمة هذا العصر، يجب أن يكون من ضمن أولويات الحكومة في هذه المرحلة، فيمكن الاستعانة بالخبراء والمدربين من المراكز والجامعات المتخصصة في المرحلة الأولى، وذلك لتدريب كبار المسؤولين في الدولة وكذلك القادة في الأجهزة العسكرية والأمنية، كما يمكن إعداد فريق وطني متخصص من الخبراء في مختلف المجالات لمواجهة الأخطار والأزمات التي قد تحدث في المستقبل.
لقد أجمعت الدراسات على أنَّ الحكومات التي اعتمدت على صُنّاع قرار من أصحاب الخبرة والمهارت العالية في مواجهة الأزمات ومخاطرها، نجحت في المحافظة على الأمن والاستقرار المجتمعي، وطلعت من تلك الكوارث بأقل الأضرار، بعكس الدول التي تواجه تلك المعضلات بتخبط أو ارتجال أو عشوائية؛ بعيدًا عن الاستراتيجيات الوطنية التي تعتمد على الدراسات والخبرات المُتراكِمة.
** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري