علي بن مسعود المعشني
تفاجأ الكيان الصهيوني- بلا شك- من قيام إيران بتوجيه ضربة مُدمِّرة لمقر الموساد بمدينة أربيل بمنطقة كردستان العراق، وتفاجأ الحليف والراعي الأمريكي بقيام إيران بتوجيه ضربة لمقر ما يسمى بـ"جيش العدل" في باكستان، وقد نُسب إلى هذا الكيان تنفيذ هجوم مسلح- منتصف ديسمبر الماضي- على مقر للشرطة الإيرانية بمدينة راسك في محافظة سيستان وبلوشستان جنوبي شرقي إيران، أدى لمقتل 11 شرطياً وإصابة آخرين.
وفي المقابل قامت باكستان بعملية مثيلة للعملية الإيرانية داخل الأراضي الإيرانية؛ حيث نقلت وكالة رويترز عن مسؤول في الاستخبارات الباكستانية "أن القصف الباكستاني استهدف مقرات لمنظمة تحرير بلوشستان وهي حركة مُسلحة بلوشية انفصالية لها نشاط مسلح داخل إقليم بلوشستان الباكستاني".
المُتابِع للشأنين العراقي والباكستاني، وتحديدًا منذ سقوط بغداد واحتلال العراق عام 2003، يعلم بالمخطط الأمريكي لرعاية الإرهاب في المنطقة وتوظيف عناصره كسلاحٍ يبتز ويُهدد به كل خارج عن طوعه وإرادته. ويعلم أن إقليم كردستان العراق أصبح مسرحًا وحديقة خلفية مُريحة للكيان الصهيوني، في ظل غياب قوة الدولة العراقية وهيمنة الأمريكان على القرار السياسي والأمني في العراق. كما يعلم القاصي والداني بحجم العلاقات والتواصل بين الكيان الصهيوني وإقليم كردستان العراق منذ الستينيات من القرن الماضي، هذا التواصل والتعاون الذي لم يعد سرًا اليوم، كما يعلم المُتابِع للشأن العراقي أن إقليم كردستان العراق يتخذ سياستين متناقضتين؛ فهو يتصرف ككيان مستقل حين يتعلق الأمر بعلاقاته مع الكيان وبحصته من النفط والثروات ويتهرب من التزاماته والامتثال لسياسات المركز والمتمثل ببغداد، وهو فيدرالي وجزء أصيل من العراق حين يتعلق الأمر بعملية من حجم وشاكلة القصف الإيراني الأخير.
من المعلوم أن الوجود الاستخباري الصهيوني بكردستان العراق مهمته التجسس على جغرافية الإقليم المحيط بأكمله والمتمثل في العراق وسوريا وإيران، كما حرص الكيان على التواجد الاستخباري في جمهورية أذربيجان بقصد تطويق إيران والتجسس عليها.
كما قامت إيران بتوجيه ضربة إلى قواعد ما يسمى بـ"جيش العدل" بداخل الأراضي الباكستانية، وهو فصيل مناوئ لإيران ونفذ عددًا من الهجمات الإرهابية داخل إيران، ويعمل بتنسيق ورعاية أمريكية. وفي المقابل قامت باكستان بتوجيه ضربة عسكرية لفصيل مناوئ لها في الأراضي الإيرانية.
بدت الضربات المتبادلة بين البلدين وكأنها ثأرية وانتقامية ظاهريًا، ولكنها في حقيقتها ضربات تمت بتنسيق تام بين البلدين، في تخطٍ واضح للرعاية الأمريكية للفصيلين. كما إن قيام إيران بقصف مقر الموساد بمدينة أربيل العراقية يمكن تفسيره على أنه كان بمباركة ضمنية من بغداد والتي تعرضت فيما مضى لضغوط أمريكية كبيرة بعدم التعرض للنشاط الصهيوني بإقليم كردستان العراق.
حملت الضربات الإيرانية عددًا من الرسائل، منها: برهنة جديتها في مواجهة الإرهاب الموجه لها ولمصالحها في أي جغرافية كانت، وبرهنت حضور أجهزتها الأمنية وفاعلية رصدها الدقيق لتحركات الكيان الصهيوني ورعاته في المنطقة.
كما حملت هذه الضربات رسائل بحجم المصالح المشتركة بين إيران والعراق وباكستان، هذه المصالح التي تجعل المخاوف مشتركة والتنسيق والتوافق على أمن المنطقة أولوية قصوى، وأن العلاقات بينها علاقات استراتيجية وثيقة بصورة لا يمكن اختراقها أو اهتزازها من أي عمل من وزن الضربات الأخيرة.
قبل اللقاء.. العلاقات الحقيقية بين الدول تتمثل في أهمية احترام الثوابت والقواسم المشتركة بينها، والأهم هو حصر الخلافات- إن وجدت- بين النُظم السياسية وتجنيب الدول منها. وبالشكر تدوم النعم.