النصر مع الصبر

 

محمد رامس الرواس

لقد كانت عملية طوفان الأقصى بتدبير خالص من قادة حركة المقاومة الإسلامية "حماس" والفصائل الفلسطينية المساندة وبعون من الله تعالى؛ حيث انتفضوا بعملية عسكرية نوعية تم التدريب عليها بمهنية فائقة، بعدما أعدوا ما استطاعوا لها من عتاد وسلاح ورجال مقاومة بواسل، شاهدنا أداءهم الرجولي الذي أذهل العالم، وما قاموا بتلك العملية العظيمة إلا بسبب ما يرتكبه الكيان الإسرائيلي في المسجد الأقصى مسرى الرسول عليه الصلاة والسلام، من جرائم وانتهاكات لا يمكن السكوت عليها، هذا بجانب تعدياته المستمرة على كافة المدن الفلسطينية.

لقد كانت انتفاضة المقاومة بعملية طوفان الأقصى ردًا على ما كانت ترتب له إسرائيل من طمس للهوية الفلسطينية والتآمر على القضية الفلسطينية من أجل تصفيتها.

ومنذ اليوم الأول لعملية طوفان الأقصى حصلت تل أبيب على دعم وتأييد لا محدود من الدول الغربية والولايات المتحدة فتم إنشاء تحالف شنت من خلاله حرب شعواء وجرائم إبادة جماعية ومورست من خلاله سياسات التجويع والحصار بطريقة غير مسبوقة، وبرغم ذلك لم يستطيع الجيش الإسرائيلي وحلفاؤه مجتمعين أن يحققوا خططهم وأهدافهم المعلنة بالميدان منها القضاء على حماس وتحرير الأسرى واغتيال قادة حماس وفك شفرة ولغز الأنفاق، بل ظهر للعالم الوجه القبيح للكيان الإسرائيلي ومن معه خلال قصفهم للشعب الفلسطيني عبر غارات جوية متواصلة على المدنيين طالت المدنيين من أطفال ونساء غزة وألحقت الدمار شبه الشامل بالبنية التحتية حيث تم التركيز على المستشفيات والمساجد والمدارس فاتضح للمجتمع الدولي كم هي مسعورة دولة إسرائيل التي أضحى قادتها مجرمي حرب بأفعالهم وتصريحاتهم.

بعد أكثر من 100 يوم من طوفان الأقصى، تكبد جيش الضلال الكثير من الهزائم الميدانية والخسائر الفادحة في المال والاقتصاد والعتاد، حتى وصل عدد ما دمرته المقاومة أكثر من 1000 آلية عسكرية، بجانب حصد المقاومة لأرقام كبيرة من الجنود؛ سواء قتلى أو مصابين، ولم يتم الإعلان عن الأرقام الحقيقية للقتلى والمصابين مخافة ردة فعل الرأي العام الإسرائيلي، وحفاظا على معنويات جنود الاحتلال في الميدان.

حركات المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها حماس، تخوض معركة فاصلة عنوانها "أكون أو لا أكون" وليس لديها خط رجعة سوى خضوع الكيان الاسرائيلي للشروط التي وضعتها لوقف الحرب والقصف الجوي وإطلاق كافة الأسرى الفلسطينيين وإعادة تعمير غزة.

لقد أنهك التعب جيش الكيان الإسرائيلي وقادته نفسيًا وبدنيًا وأصبحوا يجرون أذيال الخيبة والفشل، متشردين متحاربين بين بعضهم البعض، يُخونون ويتهمون أنفسهم، وبرغم ذلك لا يزالون يعتقدون أن الاغتيالات التي يسعون لتدبيرها لقادة حماس واكتشافهم سر الأنفاق وإعادتهم للأسرى هي منقذهم مما هم فيه من التخبط والإذلال والهوان، وبرغم كل ذلك يسعون نحو نصر موهوم وكافة التقارير العسكرية تشير بأنهم غارقون في وحل وحرب وخيمة نتائجها مخيفة للعقلاء العسكريين والقادة السياسيين، ولقد أكدت لهم الولايات المتحدة ذلك وحذرتهم منه مرارًا وتكرارا بأن يضعوا أوزار الحرب لكن تعنت قادة إسرائيل ولم يصغوا للنصيحة ويعارضون وقف الحرب لدرجة أن أمريكا هددتهم بسحب دعمها.

هناك مقولة مأثورة وهي "يمكن إشعال الحرب لكن يصعب بعد ذلك إيقافها"، ورقعة الحرب اليوم امتدت إلى اليمن، وقبل ذلك على الحدود اللبنانية، وهناك مناوشات بالعراق وغدًا يعلم الله ماذا سيحصل!

لا يزال الكيان الإسرائيلي دافنًا وجهه بالرمال كالنعامة ليخفي الحقيقة المرة عن شعبه بأنه أصبح في حرب استنزاف، والجميع يعلم أن الوقت يمضي وكلما طال أصبح تدارك الموقف لدى جنرالات الحرب الإسرائيلي متأزماً على صعيد القيادة السياسية بتل أبيب فالجميع هناك يضع مصلحته أولًا لأن الوقف الفوري للحرب يعني حدوث تغيرات في الحكومة وسقوط رؤوس الحرب، وحين تتم هدنة وإيقاف للحرب فإن حماس ستعيد أسراهم الذين سيطلقون الحكايات عن المعاملة الحسنة لفصائل المقاومة لهم، وبالمقابل سيجري إطلاق الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية ليخبروا العالم ولجان حقوق الإنسان الدولية ما كانوا يعانونه من تعذيب ممنهج، بينما قادة إسرائيل بمجلس الحرب يعلمون ما ينتظرهم من محاكمات ومساءلات داخلية ودولية بانتظارهم وخياراتهم صعبة أما الهروب أو اللجوء إلى المصحات النفسية والطبية.

ختامًا.. لقد قيّض الله دولة جنوب أفريقيا وفريقها القانوني لتتصدر المشهد الإنساني العظيم في الكشف عن أكبر جريمة بالتاريخ الحديث يرتكبها الكيان الإسرائيلي في قطاع غزة ألا وهي الإبادة الجماعية الموثقة والمكتملة الأركان بالصوت والصورة داحضة لكافة الأكاذيب التي سردتها إسرائيل للدفاع عن نفسها في اليوم التالي للمحكمة 12 يناير الجاري، بينما قادة حماس والفصائل لا يزالون واقفين شامخين كالجبال وهم يخططون لمرحلة ما بعد معركة طوفان الأقصى التي ستنتهي قريبًا بإذن الله تعالى.

تعليق عبر الفيس بوك