لعبة الأمم (2)

 

محمد بن حمد المسروري

ما زلنا نناقش لعبة الأمم- في نسختها الثانية- على المستوى العالمي والعربي على وجه الخصوص، ونبحث في أدوار اللاعبين الأساسيين منهم والفرعيين على المسرح الظاهر ونحاول تارة كشف ما وراء الستار إن أمكن، نعم تكالبت قوى الشر العالمي وعلى رأسها أم المكائد وأس الشر، في العالم أجمع، وحدها ربة الكذب والنفاق وأم الخبائث في كل وقت وحين، دولة بريطانيا، فإذا علمتم عن مشكلة في أي قرية وفي أي قارة في العالم لها علاقة بالأرض والقيم الإنسانية استشرت وتعقدت، ابحثوا عن الإنجليز خلف ستارها، لأنهم الوسواس الخناس، الذي يوسوس في صدور النَّاس.

الإنجليز هم من فرقوا بين العرب والمسلمين عامة لتكون لهم بعد ذلك السطوة مع من شاركهم من المستعمرين الأوروبيين، الفرنسيين والإيطاليين وقبلهم الأسبان والألمان والبلجيك والهولنديين، الاستعمار الأوروبي البغيض، أوروبا التي تنمرت على العالم أجمع. وللوطن العربي والإسلامي، على وجه الخصوص تجارب مريرة مع أم المكائد قبل وبعد الحرب العالمية الثانية، التي هكذا صُنِّفَت مع أنها أوروبية صرفة. لكن قياسًا الى اتساع رقعتها الشريرة على البلاد العربية والإسلامية لتأكيد أهداف حُددت سلفًا من قِبَلهم لتكون نتائج لها خالصة وللاعبين الأوروبين المنهزم منهم والمنتصر؛ ليكون لكل منهم نصيب مما تركه الآخرون.

 وبطبيعة الحال ما كان للأوروبيين أن ينتصروا في تلكم الحرب الطاحنة بينهم لولا تدخل أحفادهم المزروعون في أمريكا شمالها وجنوبها، كذلك لما امتلكوه من أسباب القوة، خاصة المال وصناعة الأسلحة الفتاكة، تلك وسائلهم دوما، قتل البشر دون هوادة أين ما وجدوا؛ فالمبدأ عندهم "اقتل تعش وتسد".

الإنجليز وأحفادهم يحملون ذات الأفكار والأهداف، لا يختلفون في شيء إلّا في أسلوب حكم مستعمراتهم، فهم جميعًا شركاء في كل جريمة قتل وشركاء كذلك في امتصاص دماء البشر من خلال السيطرة على ثروات الأوطان ونهبها وحرمان السكان الأصليين من الاستفادة من شيء من عائد تلكم الثروات المنهوبة عنوة.

ما زالت لعبة الأمم- الحديثة- تؤدي دورها باختلاف الممثلين على مسرح الحياة إنما الأهداف ذاتها قائمة لم تتغير بتغير الممثلين، هم ذاتهم الفاعلون الأساسيون، وكذلك المستهدفين بنوايا الاستعمار المتجدد البغيض.

علينا أن ننظر إلى ما يحدث اليوم في غزة بفلسطين المحتلة من قبل شُذّاذ وشتات الأرض وأراذل الخلق الذين أحضرتهم بريطانيا من كل بقعة وصوب، لزرعهم في فلسطين العربية (المسلمة والمسيحية) بغية التخلص من فسادهم- الصهاينة من اليهود- في كل أرض وجدوا فيها لتبقى أوروبا والبلاد ما بعد المحيطات الخاضعة لسياساتهم طوعا أو قسرا مثال كندا ونيوزيلاندا، وأستراليا وغيرها من التوابع.

أهداف الإنجليز في المنطقة العربية هي ضرب الإسلام في مركزه ومركز ثقافته- اللغة والدين- وإحضار شتات من المحتقرين في أوروبا ليكونوا هم الشوكة في حلق العرب والمسلمين في أعز مكان لديهم؛ القدس الشريف، مسرى الرسول الكريم النبي محمدٌ صلى الله عليه وسلم، ليصلوا بعد ذلك إلى مركز المسلمين مكة الكرمة، حسب مخططهم. وهذه أهداف الصليبيين بقيادة بريطانيا وفرنسا وأمريكا وسائر دول الاتحاد الأوروبي، منذ زمن بعيد. لكن من الواضح الى اللحظة أن غزة العزة والإباء عصية السقوط على كل كلاب العالم من حيث أتت.

شخصيًا أتساءل مع من يتساءل كذلك، حول مقاطعة البضائع الأمريكية وحدها وترك رأس الأفعى؛ بريطانيا ومنتجاتها؛ فالأولى ثم الأولى حرمان الأفعى الخبيثة من أي فائدة في البلاد العربية والإسلامية، بمحاربة منتجاتها، وفسخ العلاقة معها بكل الوسائل ومختلف المفاصل، بداية بالسياحة والتملك في أراضيهم.

لكن المهم والأولى محاربتهم بسلاحهم الثقافة، لأنهم بكل الجهد حاربوا وما برحوا يحاربون الثقافة الإسلامية، فعلينا إذا محاربتهم بذات سلاحهم، ثقافيًا وهذا أهم المهم، من خلال مقاطعة مدارسهم وجامعاتهم؛ فالأرض العربية والإسلامية اليوم في غنى عن الجامعات البريطانية والفرنسية والأمريكية والدول المرتبطة بها ومقاطعة منتجاتهم مهما كانت، وأن يكون ذلك ليس من الشعوب العربية والإسلامية وإن كان لها تأثيرها المهم ولكن نطالب الحاكم والمحكوم.

هذا المطلب واجب تحقيقه لمواجهة الصهاينة بمختلف ألوانهم وانتماءاتهم والمربي المتعهد الصليبي الذي لم يتورع عن قتل النساء والأطفال والشيوخ في كل بلاد الإسلام، إنهم لا يفرقون بين مُلزِم ومحرّم؛ إذ رأس أهدافهم القضاء على المسلمين في ثقافتهم وقتل أطفالهم رجالهم ونسائهم، أهداف معلنة وتُمارَس بكل الوسائل بصورة يومية في فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرها من بلاد الإسلام، وبوسائل أخرى في سائر البلاد الإسلامية، فهل من مُنبّه ومُحذِّر؟!