علِّمُوهم.. إنها فلسطين!

 

حاتم الطائي

◄ "طوفان الأقصى" نقطة تحوُّل تاريخية في مسار انتزاع الحق الفلسطيني من طغاة الأرض

الاحتلال يواصل المذابح بالأسلحة المُحرَّمة دوليا لتنفيذ مخطط التطهير العرقي

الصمود الأسطوري للمقاومة الفلسطينية يؤكد أن النصر قادم لا محالة

لم تكن الملحمة التاريخية "طوفان الأقصى" في صبيحة السابع من أكتوبر المجيد لعام 2023، مجرد عملية نوعية تفرّدت بها المقاومة الفلسطينية وحققت من خلالها نصرًا مظفرًا على العدو الصهيوني، وجعلته يتجرع مُرّ الهزيمة النكراء، لكنها أيضًا مثلت نقطة تحول تاريخية وغير مسبوقة في مسار الحق الفلسطيني الذي لا يقبل المساومة أو التفاوض، الحق في الأرض، والحق في إقامة الدولة المستقلة على كامل التراب الوطني، والحق في العودة، والحق في إطلاق سراح الأسرى.. جُملة من الحقوق غير المنقوصة التي لا تنازُل عنها ولا تفريط.

ومع رفض العدو الإسرائيلي الغاشم، تمديد الهدنة وتنفيذ وقف دائم لإطلاق النار، عاود ممارسة جرائمه البشعة؛ فبمجرد انقضاء الهدنة، سارع بإطلاق القذائف وإسقاط الصواريخ، وللأسف هذه المرة بقنابل شديدة التدمير، محرّمة دوليًّا، ومنها القنابل الخارقة للتحصينات، وهي قنابل من نوع BLU-109، أرسلت الولايات المتحدة منها 100 قنبلة على الأقل، وهي قنابل خارقة للتحصينات تزن الواحدة منها 2000 رطل، مما يؤكد الضلوع الأمريكي في المذابح التي يرتكبها الاحتلال، ويُثبت مدى الضرورة القصوى لتقديم كل من تورط في هذه المذابح وهذا التطهير العرقي بحق شعب فلسطين الأعزل، للمحكمة الجنائية الدولية.

لكن ورغم ما سبق، نستطيع القول إن المقاومة الفلسطينية وبصمودها الأسطوري، وشجعاتها في خوض المعارك، وفي المقدمة معركة السابع من أكتوبر المجيدة، وهي درة تاج المقاومة وأم المعارك الفلسطينية البطولية، فقد نجحت في إنهاء عقود من التنازل المستمر دون مقابل، فبينما كانت الولايات المتحدة ومن ورائها الغرب، يلوّحون بـ"جزرة السلام"، كان الكيان الإسرائيلي المُستعمِر يضرب بعصاه الغليظة في كل الأراضي الفلسطينية، غير مكترث بأي مسار تفاوضي؛ بل أمعن في تَسُلُّطِهِ وعَنْجَهِيَّتِهِ، ضاربًا عرض الحائط بالمواثيق الدولية والقانون الإنساني العالمي، مُتجاهِلًا تمامًا قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة وحتى الاتفاقيات التي وقعها وكانت مُلزمة عليه.. بينما كان الشعب الفلسطيني الذي يعاني الظلم الفادح منذ أكثر من 75 عامًا، يبكي شهداءَه يومًا بعد الآخر، ويُلملم جراحه علّه يتجاوز المحن والنكبات. إلّا أنه في ظل هذه المعاناة، أظهر بسالةً منقطعة النظير، فتحمّل ويلات الاحتلال البغيض، وصَبَرَ على الأذى الشديد الذي لحق به، بينما أرضه تُغتَصَب منه، ومنازله تُهدَم أمام عينيه، ويُزج بهم خلف قضبان السجون أسرى لدى الاحتلال اللعين، انتقامًا من المحتل لشجاعتهم ونضالهم الشريف.

ولكن.. وبعد طوفان الأقصى، تغيرت الآية، وتبدلت المعادلة، وانقلبت الموازين، لتستقيم على حقيقتها، فظهر لنا هذا الجيش الاحتلالي الاستعماري البربري في أضعف صوره، والتي تبيّن بعد ذلك أنها الصورة الطبيعية له، فهو جيش أوهن من بيت العنكبوت، وأضعف مما كُنا نعتقد، فهذا الجيش لا يحتاج لجيش مثله لإلحاق الهزيمة به، بل فقط لعشرات أو مئات المقاتلين الأشداء، أمثال أبطال كتائب عز الدين القسام وسرايا القدس وغيرهم من الفرسان النبلاء الذين ركع أمامهم جنود الاحتلال وسقطوا بكل سهولة أسرى في أيديهم.

لذلك نقول بأعلى صوت ومن أعماق القلب.. عَلِّمُوا أولادكم وكل إنسان حُر في هذا العالم، أن الاحتلال الصهيوني هو أضعف جيش في العالم، وأن الكيان الإسرائيلي ليس سوى مجموعة من المرتزقة والعصابات الإجرامية والميليشيات الجبانة، تستهدف العُزل والمدنيين، وتخشى وتخاف من مواجهة أي بطل من أبطال المقاومة، وأن هذا الاحتلال الصهيوني هو الوجه الآخر للاستعمار الإمبريالي الغربي، لكنه هذه المرة استعمار سُكَّاني، يسعى لاقتلاع الإنسان صاحب الأرض من جذوره التي تعلق بها، على مر التاريخ، ويمارس تطهيرًا عرقيًا غير مسبوق.

علّموهُم أن فلسطين أرض عربية منذ فجر التاريخ، مهما تعاقب عليها سكانوها، وأن الشعب الفلسطيني المناضل صاحب هذه الأرض دون سواه، وأن الحق الفلسطيني لا يموت.

علّموهُم أن القدس مدينة السلام، أرض فلسطينية عاش الأجداد فيها قرنًا وراء قرن، وهي مسرى النبي محمد، ومهد النبي عيسى، وكانت وستظل الأرض المقدسة التي بارك الله حولها.

علّموهُم أن المقاومة ليست إرهابًا؛ بل هي حق مشروع لاستعادة الأرض والدفاع عن العرض والشرف، وأن المقاومين "رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا".

علّموهُم أن غزة هي أرض العزة والاستبسال، منبع الكرامة، ومصنع الرجال.. هي الشوكة الحادة في خاصرة العدو، وهي الأرض العصيّة على الاحتلال، مهما تكالب عليها العدو البربري الغاشم، ومهما أمطر عليها عشرات الأطنان من المتفجرات، ومهما هددتها حاملات الطائرات العملاقة أو الغواصات النووية العابرة للمحيطات والبحار.. ستظل غزة أبيّة حُرّة أبد الدهر.

علّموهُم أن المقاطعة الاقتصادية بمثابة سكين حادة في قلب الاستعمار الغربي والرأسمالية الجشعة، وأن التصنيع الوطني هو طوق النجاة ووسيلة الانعتاق من هيمنة المُستعمِر القديم الجديد.

علّموهُم أن الشعوب الحرّة تخرجُ في الشوارع لنُصرة الحق، حتى ولو ضد حكوماتها وأنظمتها، وأن الحرية لا تُقدّر بثمن. وما المسيرات المليونية التي اجتاحت العالم سوى صورة بهية عكست صحوة الضمير العالمي، الذي ظن المجرمون أنهم لن يهُبُّوا لنجدة إخوة الإنسانية.

علّموهُم أن الإنسان للإنسان سندٌ وعضدٌ، وأن القيم الإنسانية تتخطى حدود العقيدة والعرق والانتماء، وأن الدفاع عن حق الإنسان في الحياة، سلوك نبيل وتصرف راقٍ، فلا يُشترط أن تكون من نفس الديانة أو العرق أو الأرض، كي تدافع عن المظلوم، أو تُندد بالظالم وتُطالب بمعاقبته. فقط يجب أن تكون إنسانًا وحسب.

علّموهُم أن شعب عُمان الأبي كان وما زال وسيظل خير داعم للقضية الفلسطينية، وما المظاهرات العفوية التي خرجت بالآلاف في أنحاء وطننا العزيز، إلّا تعبير صادق عن هذا الدعم وتلك المؤازرة.

علّموهُم أن الدبلوماسية العُمانية لم يهدأ لها بال، ولن يهدأ، قبل أن تعود الحقوق لأصحابها، وأن السياسة الخارجية لعُمان كانت واضحة وجلية لا تقبل التأويل ولا التفسير، وأنها منذ اليوم الأول عكست المشاعر العروبية الأصيلة مصداقًا لـ"أوفياء من كرامِ العربِ"، وأنها كانت الأشد وطأة على العدو، في بياناتها ودعمها ومؤازرتها.

علّموهُم أن عُمان هي الدولة الأولى في العالم التي دعت إلى تقديم قادة الاحتلال إلى المحكمة الجنائية الدولية لمعاقبتهم على جرائمهم ضد الإنسانية، وجرائم الإبادة الجماعية التي مارسها هذا الاحتلال الهجمي المتوحش.

علّموهُم أن الحقَ أحقُّ أنْ يُتَّبَع، وألّا نخشى في الله لومة لائم، وأن نقول الحق ولو على رقابنا، وأن نصدح به في كل المحافل، محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا، ولا حقَ أحق من القضية الفلسطينية، فهي القضية التي تأبى النسيان، وترفض الزوال، وتُعاند المحو المُتعمّد من الذاكرة.

علّموهُم أن فلسطين ستظل في قلب كل عُماني وعربي وكل شريف يعيش على ظهر هذا الكوكب، وأن فلسطين هي قضية الإنسانية في المقام الأول والأخير، والدفاع عنها دفاع عن الإنسان وحقه في الحياة الكريمة، دون ذل أو هوان أو خذلان.

علّموهُم أن الدفاع عن المقدسات هو الشرف الأول الذي ليس فوقه شرف، وهو الواجب المُقدس الذي لا يقبل التخلِّي عنه أو التنكُّر له.

علّموهُم أن "طوفان الأقصى" قد كشف عورات دُعاة الديمقراطية والذين يزعمون الدفاع عن حقوق الإنسان، وأن الإعلام الغربي قد وقع في مُستنقع العار والخسة والنذالة، بعدما تبنّى الأكاذيب الصهيونية على أنها حقائق دامغة لا تقبل الطعن، وأن هذا الإعلام الغربي كان سببًا في تغييب العقول في مناطق عدة حول العالم، لكنه ما لبث أن افتضح أمره وانكشف ستره، وأدرك مئات الملايين حول العالم حقيقة الاحتلال الإسرائيلي الدموي العنصري المُجرِم.

علّموهُم أننا سنظل نصدح بالحق في كل مكان وبأعلى صوت، وسنحرص على أن تصل كلماتنا إلى كل بقاع الأرض، صوتًا وصورةً وكتابةً، ولن تحدنا حدود، ولن يحول بيننا وبين مناصرة فلسطين أي مانع.

تحيا فلسطين.. تحيا الإنسانية!