قراءة في "المرحلة الملكية"

 

سلطان بن ناصر القاسمي

بينما كنتُ جالسًا بمفردي، وجدتُ نفسي أفكِّرُ في مغزى الحياة، خلال تلك اللحظات، كنت أقرأ كتابًا بعنوان "المرحلة الملكية" للدكتور خالد المنيف، ووجدت بعض العبارات التي تعكس ما أشعر به بالضبط، وهو ما أرغب في تقديمه في مقالي هنا، ومن خلال هذه التجربة، وجدت أن الانتقال إلى مرحلة النضج الفكري والوعي يمثل لنا تحقيقًا فعّالًا للسعادة واحترام الذات.

إنَّ المراحل التي يمر بها الإنسان في حياته تشمل العديد من المراحل الواضحة، منذ الولادة مرورا بمرحلة الشباب ووصولاً إلى الشيخوخة، لكن هناك مرحلة مهمة جدًا، وهي تلك التي تعنى بنضج الفكر والوعي، هذه المرحلة تمثل فترة حياة يجب علينا أن نمر بها بكل احترام لأنفسنا وباستمتاع بمواردنا الحيوية، سواء كانت مادية أو روحية. وقبل أن نتعمق في فهم هذه المرحلة، يجب أن ندرك أنها تتجسد فكريًا من خلال إبداعات الإنسان، وقد أشار الدكتور المنيف في كتابه إلى أن كلمة الملكية ترمز إلى شيئين مهمين في الحياة، الأمر الأول: فخامة وروعة الكلمة ومعناها ومدلولها العام، والأمر الثاني أن حياتك ستكون ملكًا لك وستهنأ فيها بممتلكات واسعة من الفرحة وراحة البال!

ففي سعي الإنسان نحو الوصول إلى هذه المرحلة، يظهر تطور واضح في النظرة للحياة والاستفادة من التجارب، وتصبح المعرفة والحكمة رفيقتين مهمتين في رحلة الشخص نحو الوعي والنضج. كما إن إحدى الجوانب المهمة في هذه المرحلة هي قبول المتغيرات وفهم دورها في حياتنا، حيث يُعتبر القبول والاستجابة للتغيرات مفتاحًا أساسيًا لتحقيق السلام الداخلي والرضا بالذات، ومن المهم أن نعيش مع التغيرات ونتعلم منها دون أن نُقيّد أنفسنا بالماضي أو بالتفكير القديم.

ففي هذه المرحلة ينتبه فيها الإنسان لحياته بكامل مكامنها وإمكانياتها، ويتوسّع فيها فهمه وأفكاره، وينظر إلى الحياة بمنظور أوسع، كما يتسع صدره لاستيعاب همومها وتحدياتها وأخطائها، وتتشكل فيها الخبرات الحياتية من خلال التجارب التي يعيشها والمواقف التي يواجهها بعقل ناضج ووعي واسع، حتى لو جاءت هذه المرحلة في مراحل متأخرة من مسار الحياة.

وأيضًا هذه المرحلة تُوجِّهنا لعدم الانخراط في مناقشات فارغة أو جدالات غير مسؤولة، ففيها لن نُهدر جهدنا فيما لا يستحق، فإذا وجدت نفسك مُشتبكًا في جدال، تكون الحيلة في الصمت وعدم إضاعة الوقت في محاولة إقناع أولئك الذين لا يرغبون في الفهم أو يصرون على عدم ذلك، ويكون قرارك هنا هو عدم إضاعة وقتك في شخصٍ لا يستحقّه، بل توجه جهودك ووقتك نحو أمور أكثر أهمية وجدّية، فالاختيار يعود لك وأنت المسؤول الوحيد عنه.

في هذه المرحلة، لن تعطِ أهمية كبيرة لأمور تافهة، ولن تدع كلمة بسيطة من شخص بلا تفكير أو تصرف غير مدروس تؤثِّر فيك، ستدرك حينها أن كل الأمور زائلة ولا شيء يستحق الاهتمام إلا طاعة الله واحترام وطاعة والديك وتقدير من هم أكبر منك سنا.

كما إن في هذه المرحلة، لن تُبذل جهدًا لإثبات تهم أو ادعاءات ضد شخص معيّن، فوقتك الثمين أكثر من أن تضيعه في محاولة التصدي لأمور ليست ذات أهمية، ستترك الشخص يتخبط في كذبه وهو يدرك ذلك، لكي تركز أنت على أمور حياتك التي تعتبرها ثمينة بالنسبة لك.

في هذه المرحلة، ستدرك أنك لا تستطيع توجيه الآخرين، وأن الهداية بيد الله وحده، ولن تستطيع أن تهدي من تحب، بل الله وحده يهدي من يشاء، فالناس مختلفون، بعضهم مقدر ليكون جاهلاً، وبعضهم يؤثِّر سلبًا على الآخرين، وبعضهم يميل نحو الضلال حتى لو تعرَّض للنصائح، وفي هذه الحالة، ستدرك أن الجهد على عاتقك وأن التوفيق بيد الله وحده، كما قال تعالى "إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ" (القصص: 56).

وفي هذه المرحلة، يجب على الإنسان أن يُدرك أنه مسؤول عن صحته وحياته بأكملها، ينبغي له أن يدرك أنه لن يجد من يحمل عنه آلامه أو همومه، على الرغم من أنه يعلم أنه المسؤول الوحيد عن حالته الصحية وشؤونه الشخصية، وفي هذه المرحلة، يتبادر للإنسان الإدراك الكامل بأنه لن يجد من يحمل همومه أو آلامه، حيث يمكن أن يكون هناك داعمون في المجتمع يقفون بجانبه، يواسونه أو يقدمون المساعدة المالية له، ولكنهم لن يتمكنوا من تخفيف ما يعانيه، حتى لو كان شريك الحياة أو الأولاد؛ ففيها يمتلك الشخص نفسه ويكون مسؤولاً عنها، مما يتطلب منه أن يعتني بها دون أنانية وبدون المساس بحقوق الآخرين من حوله.

في هذه المرحلة المميزة، ينبثق وعيٌ جديد يفتح أبواب فهم عميق لطهارة وكرم الحياة، تجدها تطلب فقط قلبًا طاهرًا، ينطلق بثقة نحو الله، وبعدها تجد الرزق ينساب والهبات تأتي بلا حساب، وتكتشف أهمية أن تكون مُحبًا لربك، ولذاتك، وتتمنى الخير لك وللآخرين، وتدرك أن من يزرع الخير يحصده في الدنيا والآخرة، وتتبين لك أن الأوضاع لا تبقى كما هي، وأن الألم يتلاشى والوجع يزول، وحتى الظلم لن يدوم رغم قسوته في مواجهة حياتك.

أتذكرُ هنا قصة لشخصية اعتبارية تعرضت لاتهامات باطلة وقذف ظالم، وحين اشتدت عليها الاتهامات الباطلة وتم رميها بتهمة باطلة لا أساس لها من الصحة والواقع أبدا، ولكنها اقتربت من الله في تلك المحنة، وزادت استغفارًا وصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ووثقت بأن هناك عدلا إلهيًا آتيا لا محالة. وفي ذلك الوقت العصيب، ظهر الفرج والعدل من رب السماء حيث كشفت الحقيقة أمام العالم، واعترف الفاعل بخطئه أمام الجميع، وعبر عن استعداده لتصحيح الأمور، والاعتذار عن قذف تلك الشخصية. إنها عدالة الله لمن يلجأ إليه في أوقات الضيق والمحن.

في هذه المرحلة من الحياة، يظهر تحول في الأولويات حيث لا يكون الاهتمام بمتابعة أخبار الآخرين وتفاصيل حياتهم اليومية، سواء كان ذلك وجهتهم في السفر، طعامهم، أو حتى ممتلكاتهم من منازل وسيارات، ليصبح الانشغال الرئيسي هو العناية بالذات ورعاية حالتها.

وفي هذه المرحلة، لا وجود للمقارنة بين النفس وبين الآخرين، فكل شخص له رزقه وطبيعته الفريدة، والتركيز يكون على عيش الحياة كما كتبها الله لك، وهنا يأتي الإدراك بأن حياتك مرتبطة بطريقة تفكيرك، حيث يكمن الإصلاح في تغيير نظرتك للحياة، لا في تغيير البيئة المحيطة بك أو امتلاك ممتلكات جديدة أو حتى الترقية في العمل حتى وإن أتت لغيرك لتؤمن بأن الله هو الرازق، ويتبادر إلى الوعي أن البشر في هذه الحياة ليسوا مثاليين، بل يتباينون بين السمات الإيجابية والسلبية، فبينهم من لديه أخلاق رفيعة وبينهم من يظهر تصرفات سيئة، ومنهم من يمارس دينه بتفانٍ ومنهم من يظل غير ملتزم به وتائها في هذه الحياة.

وفي الختام، لماذا ننتظر وصول مرحلة معينة من العمر لنستمتع بهذه المرحلة والاستفادة من تجارب الحياة؟ لماذا لا نبدأ اليوم بالاستفادة من الدروس المجانية التي تقدمها لنا الحياة؟ فالعقلاء يستمدون الحكمة من العظماء، يتعلمون من التجارب، ويستفيدون من القوانين.

أدعوك الآن، أيها العزيز، أن تبدأ رحلتك نحو هذه المرحلة دون الانتظار لبلوغ سن معين.

لماذا تخفي مرحلة شبابك وتنتظر حتى تكبر لتبدأ في التفكير في كيفية العيش بهذا النضج؟ ابدأ اليوم، واستمتع بمرحلة شبابك المشرقة، استغل ربيع عمرك الذي يزهر لتعيش حياة رائعة تليق بك، هذه الحياة الفاخرة التي تحلم بها، يمكنك بدء بنائها الآن، استفد من كل لحظة، واستعد لمسيرة حافلة بالنجاح والتطور.

تعليق عبر الفيس بوك