زواج "إنترنتي" يبدأ بـ"لايك"!

 

 

جابر حسين العماني

jaber.alomani14@gmail.com

 

بعد أن كان المجتمع العربي مُتمسكاً بثقافته المتجذرة وعاداته وتقاليده الاجتماعية المعينة، كان من الصعب في حينها على الرجل لقاء المرأة أو التحدث معها بشأن تحديد تفاصيل الزواج، فلا المرأة ترى الرجل ولا الرجل يرى المرأة، سوى في ليلة الزواج، والزواج عندهم كبعض الفواكه التي يشتريها الناس وهم لا يعلمون ما بداخلها، أهي حلوة أو مرة؟ لذا يكتفي الرجل والمرأة بما يقوله الناس أو الأهل أو المجتمع أو من تربطهم بالبنت وأهلها صلة من آراء في حقهما حتى يقدمان على الزواج.

اليوم ومع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت، توغلت حالات التعارف بهدف الزواج أو تحت مسماه، بحيث أصبح بعض أفراد المجتمع يعتمدون اعتمادًا كبيراً على الشبكات العنكبوتية والمواقع الافتراضية المختلفة لاختيار الشريك المناسب للزواج، وأصبح البعض يهتم اهتمامًا بالغًا بتوظيف تلك الوسائل للحصول على أكبر مساحة للتعارف بين الطرفين، واستطاع كل من الرجل والمرأة معرفة الكثير عن بعضهما البعض، بسبب التعارف قبل الإقدام على مشروع الزواج المقدس.

وبالتالي يشكلان علاقات من الحب والصداقات والتعارف، من هذا الطريق، وهو طريق شبكات التواصل، وهو في حد ذاته يعد مشكلة شرعية واجتماعية نبهنا الشارع المقدس لحرمتها الشرعية وخطورتها الاجتماعية لما لها من آثار على الفرد والأسرة والمجتمع، وهي ما تسمى بالعلاقات المحرمة قبل الزواج، والتي يستغلها البعض لتشكيل علاقات غرامية لا تتوقف على الكذب والاحتيال فحسب، وإنما تمتد لما هو أسوء من ذلك، كاستغلال الشباب وتجنيدهم لتيارات مشبوهة، أو ترغيبهم لتعاطي المخدرات وزعزعة الأمن القومي في البلاد، وانتشار الدعارة والعلاقات المحرمة والمشبوهة، القائمة على تغيير الحقائق من خلال استخدام ما يُسمى بالذكاء الاصطناعي والفلاتر وتغيير الصوت أو الشكل أو حتى لون البشرة.

فهل أصابنا الجهل المطبق حتى نغفل عن الزواج من أبناء وبنات مجتمعاتنا وأوطاننا، ونبحث عن من لا نعرفهم، ولم نشاهد أشكالهم الحقيقية، دون استيضاح لحقيقة دينهم وأخلاقهم سوى ما يظهر لنا على شاشات الهواتف النقالة والتي ربما تخدعنا عندما يتزينون بالفلاتر الكاذبة بحجة الحب والعلاقات الزائفة التي يجب ايقافها لما تؤدي إلى عاقبة الندم.

ولقد أثبتت بعض الدراسات العلمية أن معدلات الطلاق ارتفعت بشكل ملحوظ في السنوات الأولى من ارتباط الأزواج الذين تعرفوا على بعضهم البعض عبر الإنترنت، مقارنة بالأزواج الذين تعرفوا والتقوا من خلال العائلة أو الأعراف الاجتماعية القائمة على مقدمات الزواج السليمة والصحيحة، والتي منها السؤال المباشر عن الشريك واللقاء المباشر به.

وهنا ينبغي على كل من يبحث عن شريك حياته، أن يعلم أن تلك المساحات المستخدمة في العالم الافتراضي عبر وسائل التواصل الاجتماعي أكثرها كارثية، إذا لم يتعرف الرجل والمرأة على سلبياتها وايجابياتها، وكيفية استخدامها بالطرق السليمة والشرعية، النابعة من الحكمة والعلم والاستشارة والدراية.

واليوم ونحن نعيش الكثير من حالات التطور التكنولوجي والمعرفي باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي، علينا جميعا استغلال المساحات الافتراضية والعنكبوتية بالشكل السليم الذي يضمن للجميع مستقبلا زاهرا في الحياة الزوجية الخالية من المنغصات، والقائمة على الاستخدام الايجابي، وليس العلاقات الزائفة والكاذبة التي لا فائدة منها.

إن تأسيس مشروع الزواج المقدس ينبغي أن يقوم على دراسة الثقافة الزوجية، واتقان المهام والمسؤوليات الأسرية، والتوافق والانسجام الزوجي، واحترام الدين والأخلاق والقيم والتقاليد الاجتماعية، وتوفير القدرة المالية، ومزيدا من الرشد العقلي الذي يحتاجه المشروع الأسري الناجح، من خلال حضور الأنشطة التثقيفية في مجال العلاقات الزوجية، والتي تعرفك أيها القارئ الكريم كيف تخطط لحياتك الزوجية؟ وكيف تختار شريك حياتك بالشكل المطلوب؟ وكيف تبني بيتك وأسرتك بناءً سليما صالحا في المجتمع؟ وكيف تتغلب على مشاكلك الزوجية؟ التي لا يخلو بيت منها، وكيف تبني نفسك جيدا وتهيئها للدخول إلى الحياة الزوجية؟ متوكلا في ذلك على الله تعالى واستشارة حكماء الأهل والمجتمع لاختيار الشريك الأمثل، وكما قال الإمام جعفر بن محمد الصادق:

أَلاَ إِنَّ اَلنِّسَاءَ خُلِقْنَ شَتَّى // فَمِنْهُنَّ اَلْغَنِيمَةُ وَاَلْغَرَامُ

وَمِنْهُنَّ اَلْهِلاَلُ إِذَا تَجَلَّى// لِصَاحِبِهِ وَمِنْهُنَّ اَلظَّلاَمُ

فَمَنْ يَظْفَرْ بِصَالِحَتِهِنَّ يَسْعَدْ // وَمَنْ يُغْبَنْ فَلَيْسَ لَهُ اِنْتِظَامٌ

لذا ينبغي التأني وعدم الاستعجال بشأن الزواج، وكم من مستعجل بدأ حياته الزوجية وهو في مستنقع واسع من المشاكل والآلام والغصص الحياتية التي لم يستعد لمواجهتها والتي تنتهي به حتمًا إلى الطلاق.