أرواح ترتقي من تحت الركام

منى بنت حمد البلوشية

تساءلتُ كثيرًا هل بوسعنا العودة بعدما كنَّا في أوجّ نشاطنا، نعم نعمل وننجز إلا أنها ليست كعادتها بل هي ممزوجة بألم ووجع يحيطان  بكامل جوارحنا، فمن المؤلم أن نظهر إنجازاتنا على الملأ بعدما كان الجميع يشاهدها، فإن أعلناها أصبحنا وكأننا أُصبنا بداء الخيانة، نعم سُئلتُ يومًا: "لماذا لا تظهري بعضا مما أنجزته خلال هذه الفترة ؟" فأجبت إن فعلتُ ذلك سأخذل من هم يقاومون لأجلنا، مؤلمة ولكنني أعلم بأن هناك كثيرا ممن هم لا يستطيعون إظهار إنجازاتهم كعادتهم، ببساطة الأوضاع ليست مثلما كانت فالقلب مملوء بالوجع وليس هناك وقت لإظهار بسالتنا وأعمالنا الآن، وإن عدنا لن نعود مثلما كنَّا.

كل ليلة تمر على غزة  بقصف وكل يوم شهداء ومشاهدها المؤلمة، إنهم أطفال شطروا قلوبنا وأوجعوها، ارتقت أرواحهم بخفة وهم يحملون معهم طموحات مستقبلية وبكامل عنفوان نشاط الطفولة ومرحها، ما أقساها من مشاهد مؤلمة لا تدع الحياة تمضي كما تشاء، وكأن السلام والأمان رحل من قلوبنا خشية أن نخذلهم، مؤلمة تلك المشاهد وذلك الطفل الذي رفع سبابة اصبعه رافعًا الشهادة وبكاء والده على صدره يُدمي الفؤاد، والمشاهد كثيرة لا يسعني روايتها فجميعنا شاهدها.

في أيامي الماضية أصبحت لا أخلد للنوم إلا بعد مشاهدة مستجدات كل ما يحدث في غزة وينتابني البكاء الذي لا يُسمع، وأستيقظ صباحًا رغم عدم النوم المتواصل المعتاد عليه وعلى غير عادتي بفتح هاتفي فجرا متصفحة أخبار غزة العزة الأبية، لعل هناك شيئا ما يُثلج الفؤاد، نحن نعيش ما يعيشه الشعب الفلسطيني وأكتب بمداد وجع القلب الذي يحتوي قلوبنا. إنها أيام ثِقال على غزة ولكن رحمة الله أوسع عليهم من كل شيء.

إلا أن غزة وأطفالها ونساءها وشيوخها وشبابها يعلموننا شيئًا آخر أكثر قوة وعلينا أن نغرسها في عقولنا ونطبعها ونكون أكثر فهما وعملا بها "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها" إن فسيلتنا هي النهوض وعدم الركون والاستسلام؛ بل هي الشجاعة التي قدمها لنا الشعب الفلسطني في عزّ وأوجّ محنته وعدم اليأس والعجز مما يحدث، إن الشعب الفلسطيني يلقننا دروسا وعبرا ليست كدروس ماضية تعلمناها، وعلى الأمم أن تفيق من كبوتها، فقد مررنا بأزمات كثيرة ولا بد من وجود حل للخروج منها حتى ننهض ونعيد الأمن والأمان والسلام للشعب الفلسطيني.

إنَّ المرور بالأزمات يمر على المرء بتسعة أصناف: "المشاهدون والحالمون والمتألمون والمتشائمون والمنتقمون والمترددون والمنتفعون والثابتون والمبادرون"، وأنا هنا أقف عند المبادرين فهم سادة المواقف وصناع القرار، الذين يملكون الرؤى وتزيدهم الأحداث صلابة وقوة وتزيد الأزمات من تألقهم، هم المبادرون الذين يلمعون وسط الظلام، هؤلاء هم أصحاب الأرض الذين يدافعون عن وطنهم وبشراسة رغم كل الألم والوجع والفقد الذي أحاط بهم لا يستسلمون، ويخرج من تحت الركام رجال صغار بأجسادهم إلا أنهم أقوياء البُنية ينتقمون لكل قطرة دم سالت على أرضهم، غير آبهين بحياة دنيوية وإنما وجدوا حياتهم في برزخ النعيم، وطاروا بأجنحة وداع معلنة أن السلام سيعم قريبا ولن تدوم الحروب وذلك الدمار.

مهما تحدثت وكتبت عن كل المشاهد والأحداث لن أستطيع أن أصف ما في جعبتي سوى أننا تعلمنا الكثير مما شاهدناه وأصبح الصمت سيد الحضور، وكلمة واحدة قادرة على تغيير كل ما يحدث وهي بين أيدينا وأفواهنا وحناجرنا،هناك سهم علينا أن نصوبه باتجاه العدو ويغير القدر فيه مجرى الحياة ألا وهو الدعاء.

اللهم سهمًا من سهام القدر يغير كل مجريات الحياة لأفضلها، اللهم إننا لا نملك سوى الدعاء فهو الذي يرد القدر، وأستميحك عذرا فلسطين الحبيبة وغزة العزة  الأبية لما يحدث لكِ فحتماً النصر قادم لا محالة.. "ألا إنَّ نصرَ الله قريب".

تعليق عبر الفيس بوك