معادلة بقاء إسرائيل "الصعبة"

 

ناجي بن جمعة البلوشي

 

بعد أن بدأت حركة المُقاومة الفلسطينية حماس عمليتها العسكرية المُباغتة "طوفان الأقصى" في يوم 7 أكتوبر الذي سيخلده التاريخ لا شك، خاصة بعدما استنزفت هذه العملية العدو الصهيوني لأول مرة في تاريخ إسرائيل بعد حربها مع العرب في 6 أكتوبر 1973؛ ففي تلك الحرب قتل ما يقارب 2600 إسرائيلي في حرب مع عدة دول عربية، بينما اليوم تحارب إسرائيل فصيل مقاومة واحد وعدد قتلاها تعدى حتى تاريخ هذا اليوم 1300 قتيل و2300 مصاب وما يقرب من 150 أسيرًا.

وإذا ما قامت إسرائيل بعملية برية مزعومة فإنِّها ستصل إلى خسائر بشرية كبيرة لا يمكن أن تقدر بالرقم الذي وصل فيه قتلاها إلى ما وصل في حرب أكتوبر العرب بل سيزيد وهذا يعني أن الفاتورة لهذه المهمة باهظة الثمن. ولأن القرآن الكريم يقول عن اليهود أنهم يحبون الحياة كما يحب أحدهم أن يعمر ألف سنة، فإنَّ الموت في غزة سيجعلهم جبناء إلى الأبد، ولن يستطيعوا أن يتجرأوا على محاربة الجنود في أي جيش كان. كما إن رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي اختار المواجهة والحرب هو يفكر في أشياء لا يمكن أن تخطر على عقل إنسان عاقل إطلاقا فهو يعتقد جزما بأنه سيحرر أسراه ويقضي على حماس وسينهي كل الوجود للمقاومة في غزة من مجرد استخدام القوة والأسلحة وكأن جنوده وحدهم هم من سيستخدمون الأسلحة والمقاومة الفلسطينية ستسخدم الرمال لتذرها على وجوه جنوده الجبناء، ثم إنه استغاث بأمريكا ودول حلف شمال الأطلسي أو الدول الأوربية الكبرى وكأنه لا يدري أن الحرب ستكون في حدود دولة إسرائيل المسروقة وهذا الذي لم يحدث إطلاقًا منذ الحرب العربية الإسرائيلية المذكورة كما إن تلك الدول لم تقم على حدودها أي حرب أبدا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وهي لا تمتلك خطط الدفاع عن الحدود؛ بل هي قادرة على ضخ الكثير من الأسلحة والدعم والأموال كما هو الحال في أوكرانيا الآن.

هذا يعني أن إسرائيل ستواجه مصيرها وحدها لتقابل مقاتلين يود كل واحد منهم أن يُقدم نفسه للشهادة قبل الآخر وهذا يعني أن إسرائيل قد تخسر ما كسبته منذ 1948م خاصة إذا تدخل حزب الله وإيران وحلفائها في المواجهة الحتمية لتشمل سوريا والعراق وجنود من اليمن ومن دول أخرى، حتى وإن تدخلت أمريكا والدول الأخرى في هذه المعركة، فعلى الأرض الأمر مختلف ولن تكون قادرة على فعل شيء سوى القصف الذي سيدمر كل شيء سوى الإنسان، فإنه سيبقى كما بقيت فيتنام والعراق وأفغانستان وكل دولة وضعت أمريكا عليها يدها.

القصف سيقابله قصف متبادل، لكنه هذه المرة سيصل إلى إسرائيل وإلى مواطنيها وكل ما فيها وهنا لن يبقى ذلك الشعب اللقيط في الأرض المسروقة؛ بل سيغادر إلى حيث أتى وسيترك إسرائيل تحترق عن بكرة أبيها حتى الجنود الإسرائيلين أنفسهم سيغادرون وسيتركون الموت ويلتحقون بالحياة التي يحبونها؛ فالخصم هذه المرة ليس كما عرفوه في 1973م كدولة قائمة ومعدات وطائرات وبنى تحتية، يدمرونها حتى يستجيب الرئيس ليتوقف وليعقد معاهدة سلام؛ بل الخصم اليوم أشباح بشرية لا يمكن لإسرائيل وحلفائها معرفة وقت ظهورهم أو وقت مهاجمتهم وهذا يعني استمرار الحرب يقابله استمرار الموت في صفوف الجنود فالحرب هنا ليست قصفاً كما تفعل أمريكا في كل حروبها؛ بل هو مجابهة جندي لجندي وهذا مكلف جدا لليهود العاشقين للحياة وقد حصل نفس هذا السيناريو في اجتياح جنوب لبنان أو في اجتياح غزة وعاد كل من أرادت إسرائيل بهم شرا ومسحا إلى ما هم عليه بل وأقوى وأعنف.

يقال إن السلام وحده هو الضامن الوحيد لبقاء إسرائيل، لكن إسرائيل وحدها لا تؤمن بالسلام نفسه، وإلا كانت قد كسبت ود جيرانها من أجل البقاء، ولأنها لا تُريد السلام فستبقى كما هي مهددة خائفة مرعوبة، حتى وإن طبّعت مع كل العالم؛ فهناك ورقة لن تحترق أبدًا من مجرد التطبيع الرسمي، ألا وهم الشعوب العربية والإسلامية، الذين سيظلون الحرس الأمين للقضية الإسلامية العربية، فكيف يمكن لإسرائيل أن تكسب ودهم من مجرد رفع الأعلام وتبادل السفراء؟!

الأكثر قراءة