تناص

وداد الإسطنبولي

وجدت نفسي في لحظة هكذا صعودا وبدون سابق إنذار أسير بين السطور؛ أحاول أن أمشي بِرويّة كي لا أتعثر أو تقع قدمي على شيء  قد يثير هذا النسيج الأبجدي،  وكنت أخطو بحرص حتى لا أزعج حروفا تساكنت مع بعضها.

وكنت أنحرف مرة إلى  اليمين قليلا ومرة أخرى إلى اليسار . ثم أقف متأملة هذه الرقعة المحكمة حياكة ونسجا، وكأني في لعبة "جيم game" لا أستطيع فيها المضي قدما إلا بعد توقف.  سألت نفسي كيف ارتميت هذه الرمية الصعبة بين الأسطر؟ تراني الأبجديات بعينها بدلا مني، فأنا من كنت أتحكم بقلمي،  قلمي؟! ألتفت إليه ينظر إلي مبتسما وكأن له يدا في ذلك. كنت أمشي وأشعر كأني على أوتار موسيقى تتمايل مع لحن الخلود أهبط وأرتفع، وأضحك ولكن بخوف، وأتوه  بين أزقة الحروف المتعرجة لا أدري ماذا  تريد الحروف مني؟ اعترافات، أم حوارات مِنْ مَنْ؟ مني! أم أنا من أبحث عن متاهتي بينها؟ ليتضاءل شيء ويتلاشى الخوف من الواقع.

فهناك حين كنت أطير وأهرول وأمشي، كانت حروف تستأثر وجودها، فعندما  تلامسهاأطراف قدماي ... تختفي؛ كأن الغيب  مكانها مستنير، فمنها ما يلمع ،ومنها مايستنطق فكل شيء في هذه البقعة أصبح متاحا، وأنا كالفُقاعة  أخاف الانفجار.

كنت أستجيب وأستكين للحن الخلود بين طياتها، فلربما أرى شيئا جديدا أرتقي به بين هذه الأحرف فأتعلم إتقان الحديث، ألسنا أدباء؟! وهو الفن الخاص بالشعور والذوق والجمال والفلسفة في كل جنس قصة وشعر ومسرح ورواية، فأنا هنا أشعر بكل شيء نصفه مجنون، والنصف الاخر عاقل، وأشعر بالفوضى في مساحة الظل بين الحروف  وحين مروري لا أدري كيف اقتحم  مخيلتي اقتباس "كن خائنا تكن أجمل" فلم أفهم شيئا فقلت: "أحبك" فأنا أمشي في شارع أنيق وجرئ وعاطفي لأحلام مستغانمي. فكيف أتقدم على النخبة، أنا لا أتزحلق هنا، ولكن ربما اعترف لا شعوريا وكأني مغيبة ذهنيا هل نحن أدباء؟ أم مبدعون! انتابتني  حكة في جلدي أشار إليّ القلم بوجود" قشعريرة".

هراء أشعر أني ضالة  ولابد أن أهدا في طريقي قبل أن تكتشف أجاثا كريستي وتنشر الحقائق  يال السخرية يقتحم جان جاك روسو قائلا:" كل من تحمر وجنتاه مذنب  بالفعل". أنقذني غارسيا" ما يهم في الحياة ليس هو ما يحدث لك ولكن ماذا ستتذكر  وكيف ستتذكر ذلك؟". لا أدري كيف دخلت وكيف بوسعي الخروج،" الطرق تؤدي إليك حتى تلك التي سلكتها للنسيان!".

أجبت بدون تفكير  لا أريد أن أعيش حياة" البؤساء" في هذه الدوامة يا درويش، أشعر أني أتنفس بصعوبة، سأختنق" لن تستطيعي أن تجدي الشمس في غرفة مغلقة" التفت للخلف وقلت: شكرا كنفاني. نظرت الى قلمي فنطق أن هذا العالم صغير جدا وجوه مختلفة ولغات متباينة، وهناك أمور وعوامل كثيرة تعيدك الى الصفر، والى حياتك الطبيعية، فعودي من حيث أتيت  فقد انتهت المتاهة.