علي بن مسعود المعشني
تُعرف مجموعة العشرين بأنها مُنتدى دولي يجمع الحكومات ومُحافظي البنوك المركزية من 20 دولة والاتحاد الأوروبي، وقد تأسست المجموعة عام 1999؛ بهدف مُناقشة السياسات المُتعلقة بتعزيز الاستقرار المالي الدولي، وفي الاجتماع الذي عُقد مؤخرًا بجمهورية الهند دعا رئيس الحكومة الهندية الاتحاد الأفريقي للانضمام إلى المجموعة.
يُلاحظ في هذه المجموعة أن هناك تكتلات جغرافية ضخمة انضمت إليها منذ تأسيسها إلى اليوم، مثل الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، وهذا يدعونا في الوطن العربي إلى التأمل والتدبر في كيفية ولُوج مثل هذه التجمعات الدولية بشكل جماعي لتكوين كُتل ضغط وازنة مستقبلًا، والظفر بعوائد اقتصادية مجدية. وبما أن الوضع العربي بصورته الحالية مُشتت ومُمزق إلى حين، يبقى الرهان على أقطار مجلس التعاون الخليجي لتقوم بهذا الدور، ولكن بصورة جماعية لتعظيم الفوائد.
أقطار الخليج العربية وكما هو معلوم، تمتلك مجتمعة ثروات مالية تفوق 3 تريليونات دولار، وهذه الثروة مطمع كبير لأي تكتل اقتصادي حول العالم؛ بل ومطمع للنهب المشروع وغير المشروع كذلك، فهي مطمع للتكتلات الاقتصادية الكبرى لرفد اقتصاداتها من وفورات مالية ضخمة لأقطار صغيرة في السكان والجغرافيات كأقطار الخليج، ومطمع للنهب من القوى الاستعمارية الكُبرى تحت أي ذريعة على اعتبار أنها ودائع مالية وسندات خزينة تحت تصرفهم، أو استثمارات وأصول في بلدانهم، وما مصادرة الغرب ووضع أيديهم على الودائع والأصول الروسية والليبية قبلها إلا نموذجان لذلك النهب.
أقطار الخليج العربية للأسف تمتلك قوة مالية ولكنها في المقابل لا تمتلك قوة اقتصادية تُمكنها من المنافسة واقتطاع المصالح الكبرى لنفسها، فهي أقطار ما زالت تحت رحمة الاقتصاد الريعي وتُدار بعقلية ريعية كذلك، والتهافت الدولي اليوم على ضم أقطار الخليج العربية فُرادى بقصد تدوير أموالها في تروس الاقتصادات الكبرى حول العالم ونصيبها سيكون الفُتات من العوائد بلا شك، على قاعدة "مال يعمل وعقل في إجازة"، وقاعدة "الشريك النائم" التي ابتلينا بها في كافة أقطار الخليج.
أقطار الخليج اليوم مُطالبة أكثر من أي وقت مضى- وكنداء أخير قبل إقلاع التشكلات العالمية الكُبرى- بضرورة التكتل المالي أولًا، وخلق التكتل الاقتصادي ثانيًا، عبر توحيد خطط وجهود صناديق الاستثمار السيادية والتوجه نحو بناء اقتصادات تكاملية نوعية عمودها الصناعة والزراعة والجغرافيا.
ويمكنها التركيز على المشروعات ذات القيمة المُضافة، كالصناعات المشتقة من النفط والصناعات القائمة على تدوير النفايات والمنتجات الزراعية، أي التركيز على المشروعات التي تصب في خدمة الأمن الغذائي والأمن البيئي والأمن الاجتماعي بتوظيف العنصر البشري وشغله فيما توارثه ويجيده، مع السيطرة على المواد الخام المحلية وتجنب الوقوع تحت رحمة الابتزاز والعقوبات الدولية وبورصة الأسعار المعروفة للمواد الخام الضرورية للتصنيع.
يضاف إلى ذلك، أن اقطار الخليج مُنفردة تعاني من نقص حاد في العنصر البشري الذي يمكن الرهان عليه في الإنتاج أو الاستهلاك كذلك، وبالتالي لا مفر لها من التكامل البشري للاستفادة من خبرات أبنائها وفي توحيد سوقها لتصبح على الأقل تكتل بشري معقول يمكن الرهان عليه في الإنتاج والاستهلاك والاستثمار كذلك؛ فمنظومة مجلس التعاون الخليجي لدول الخليج العربية والتي تأسست في عام 1981م تجاوزها الزمن رغم ميثاقها الناصع وشعاراتها البراقة وأناشيدها الوطنية ولم تقدم شيئًا يذكر للمنطقة، وآن الأوان اليوم لتتحول هذه المنظومة إلى تكتل اقتصادي صرف تستثمر من خلاله الوفورات المالية والعنصر البشري لخلق اقتصادات حقيقية صلبة وراسخة، وخلع رداء الاقتصادات الريعية والطفيلية والخدمية الهشة التي اعترت أقطار الخليج وتسلحت بها لعقود خلت.
قبل اللقاء.. أقطار الخليج العربية اليوم على محك ومفصل تاريخي حاد عنوانه نكون أو لا نكون؛ فزمن التكتلات الكبرى قد وضح وبان، واتضحت معه كل ملامح العالم الحالي والجديد، والحظ لا يطرق بابك مرتين!
وبالشكر تدوم النعم.