علي بن مسعود المعشني
خطط الأمريكان- تجنبًا للحرب على العراق واحتلاله عام 2003- لتطبيق نظرية فصل الرأس عن الجسد؛ أي إزاحة رأس النظام والإبقاء على جسده والمُتمثل في سياساته، وكان رأس النظام المُرشح والبديل للرئيس صدام حسين- وكما يُقال- هو ابن خاله وزير الدفاع الفريق عدنان خير الله.
النظام القائم في العراق حينها كان مثاليًا للغرب من ناحية عدائه لكل من سوريا والثورة الإيرانية، وبالنتيجة قيامه بدور المنطقة العازلة بين البلدين، وبالتالي يمكن التجاوز عن مخاطره الأخرى والتي لا ترقى إلى مصاف هذه المصلحة. وحين فشل الأمريكان في تطبيق نظريتهم، لم يجدوا بديلًا عن غزو العراق واحتلاله وسعيهم لاحقًا لتطبيق نظريتهم على دولة العراق تحت البند السابع والاحتلال والسيطرة المباشرة.
الأمريكان بطبيعتهم لا يفكرون؛ بل يُجربون حتى يفشلوا، لهذا تجاهلوا تركيبة العراق وطبيعته الجغرافية وتاريخه وثوابته وإرثه السياسي، وقبل كل ذلك فطرته؛ فهذه العوامل جميعها جعلت من العراق عصيًا وقويًا حتى بعد احتلاله والتنكيل به، لأن الصراع في العراق وعليه، اكتسب صفة الإرادات لاحقًا، فانتصرت إرادة العراق رغم كل مظاهر الهزيمة والبؤس والإجهاد المنظم الذي مارسه المحتل. وحين اكتشف المحتل الأمريكي أن مناعة العراق وفطرته أقوى بكثير من سلاحه وبطشه، لجأ إلى تنفيذ مُخططات فرعية أخرى لإجهاد العراق وإغراق شعبه في المزيد من المُعاناة؛ حيث حُرم العراق المحتل من أبسط حقوقه السيادية، وحُرم الشعب العراقي من أبسط مفردات التنمية، وهذا بقصد "الترحم" على النظام السابق ورثائه سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، رغم أن العراق انتقل من مرحلة سيئة إلى مرحلة أسوأ، وليس من العقل تمني عودة السيئ بعد تجربة الأسوأ، ولكنها نظرية أمريكية بامتياز.
بقيت فكرة المنطقة العازلة بين سوريا وإيران هاجسًا قويًا للمحتل الأمريكي، بعد فشله الذريع في إيجاد رأس للنظام أو جسده؛ حيث اصطدمت تلك الأحلام بفطرة العراق والعراقيين العروبية الوحدوية والواقعية.
لجأ المحتل الأمريكي إلى صنيعته "داعش"، وزودها بكل أسباب القوة لتقيم دولتها في المنطقة العازلة "الحلم"، من الموصل شمالًا إلى درعا السورية جنوبًا، ثم الانقضاض على بغداد وفرضها بالقوة كأمر واقع، فتفاجأ المحتل بفتوى المرجعية بالجهاد الكفائي وقيام الحشد الشعبي من جميع أطياف العراق ودحر الدواعش. والجهاد الكفائي محدود بالعدد والمكان، أي ليس مُطلق لكل من يُقلد المرجعية السيستاني من شيعة العالم؛ بل محصور في العراق فقط، وهي رسالة قوية للمحتل الأمريكي لم يحسب حسابها وتنم عن جهله بالكثير من تفاصيل العراق.
اليوم.. يلوح المحتل الأمريكي بقيامه بهذا الدور وإقامته منطقة عازلة بين العراق وسوريا، وهذا يعني إقراره بفشل كل مساعيه لخلق رأس أو جسد موالٍ له بالعراق، رغم كل مظاهر الشتات والوهن والسيطرة الظاهرية له. وبالعودة قليلًا إلى الوراء وتحديدًا عام 2011، فقد فشل المحتل الأمريكي- قبيل انسحابه- في انتزاع معاهدة مع العراق المُحتل؛ لأن المعاهدة تتطلب موافقة كل من الحكومة والبرلمان والاستفتاء الشعبي، وحين استحال عليه موافقة الشعب العراقي عبر استفتائه، لجأ إلى الاتفاقية والتي لا تتعدى موافقة الحكومة والبرلمان وفي ذات الوقت غير ملزمة للحكومات المتعاقبة.
يقول محمود المشهداني رئيس مجلس النواب العراقي السابق في حديث لإحدى القنوات الفضائية إن الأمريكان نصحوا بعض الساسة العراقيين بعدم الانخراط في العملية السياسية بعد الاحتلال، وقالوا لهم بالحرف الواحد إن هناك مخططا قادما للعراق بعد عشرة أعوم أو يزيد قليلًا لتغيير وجهه ووجهته.
قبل اللقاء.. يبدو أن المحتل الأمريكي استمرأ الفشل في العراق وفي غيره من الأماكن التي لفظته وواجهته بالإرادة الصلبة، وسينتج المزيد من الفشل مستقلًا.
وبالشكر تدوم النعم..