الحمد لله ولي الحمد والنعم

 

 

عائشة بنت أحمد بن سويدان البلوشية

"رحم الله أهل الغبيراء آمنوا بي ولم يروني"، صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا، دعا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الدعاء لأهل عُمان قبل أربعة عشر قرنا ونيف من الزمان.

------

في العام 1970م انبلج فجر الثالث والعشرين من يوليو، ليغدو علامة فارقة في تاريخ سلطنة وسلاطين، ويسطر السلطان قابوس -طيب الله ثراه- أبلغ سطور التنمية والعمران، ويزيح بيده ظلام الجهل وجدار العزلة؛ فحرث أرض عُمان بمعول الهمة الحثيثة، وأصرَّ منذ الوهلة الأولى على نشر العلم في كل بقاع السلطنة مترامية الأطراف، وألهب حماس العمانيين ذكورا وإناثا بالجد والاجتهاد، ليواكب الوطن مسيرة التطور المتسارعة من حوله، وكانت كل خطبه وكلماته تتميز بالبلاغة والحكمة، ورسائل تصل مبتغاها لشعبه والعالم، وكان من أروع ما قاله لجريدة السياسة الكويتية في الثاني عشر من فبراير 2006م: "إنني أشعر بأني صاحب رسالة ولست صاحب سلطة، لذلك ترى وقتي مكرسًا من أجل عمان وأهلها"، لأنه حمل عمان وشعبها في قلبه، فأرسى مبادئ السلام في الداخل، لينهي الحرب في الجنوب والنزاعات في الشمال ويستتب الأمن وتتنفس عمان الصعداء، وعاش متفانيا لأجل هذه الرسالة، يصمد أمام الجوائح والهنات -التي تعصف بالعالم من حين لآخر- بفكر حكيم، ويشيد البنيان بهمة لا تأنو ولا تستكين، جاء إلى العرش وعمان تعيش الشتات والفرقة، ورحل عن دنيانا ليترك عمان موحدة عامرة.

وكان لتاريخ عُمان موعد جديد مع الدروس التي يستقيها العالم من سلاطينها وشعبها، ففي الحادي عشر من يناير 2020م سجلت عُمان أروع دروس الوحدة واللحمة الاجتماعية الوطنية، حيث كانت أنظار العالم ترنو بترقب وتوتر إلى أرض هذا الوطن، متسائلة من سيخلف السلطان الراحل -طيب الله ثراه- فلا ذرية له لترث العرش؟ ونحن -رحمة الله تغشانا- ما بين ألم الفراق وأمل اللقاء بسلطاننا الجديد، حتى كان فتح الوصية التي جاءت تحمل البشرى بجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- فارتفعت أكفُّ الضراعة تدعو له بالسداد والسؤدد، وأن يمده الله تعالى بمدده في تحمل هذا التكليف العظيم، واليوم ونحن نعيش ذكريات نهضة تأسَّست وكتب الله لها أن تتجدد وتزهو وتزدهر بإنجازات أجمع الكثير من خبراء الاقتصاد والسياسة في العالم بأنها مستحيلة، ولا يمكن لها أن تتحقق في فترة عشر سنوات على أقل تقدير، أنجزها جلالة السلطان هيثم بن طارق في فترة قياسية جدا، فالمطلع على الدين العام لسلطنة عمان في يناير 2020م يكاد يجزم أن أفضل نبوءة استشرافية لن تعطي عُمان أقل عن عقد من الزمان للخروج من كاهل الدين الضخم، لتأتي أزمة كورونا التي عصفت باقتصادات العالم، بدأ المحللون والخبراء يتناقلون أن سلطنة عمان على شفا جرف هار، وأنها قد لا تتمكن من دفع رواتب موظفيها، كان الخطب عظيما، كانت الواقعة حربا ضد الانهيار وإن لم تكن كذلك بمعناها اللفظي، لكن سلطان عمان أثبت للعالم بتوفيق من الله أن المستحيل كان ممكنا، وأن الـ(لا) تصبح (بلى) في لمح البصر، وأن "الضائقة" لها أن تتحول إلى "بحبوحة" يعم فضلها الجميع، وأن الطفل يستحق أن ينعم بخير بلاده ويكون له راتب شهري منذ ولادته وحتى يبلغ الحلم، وأن الشيخ الطاعن في السن وزوجه العجوز لهما نصيب من خير أرضهما براتب شهري لكل منهما، فتبسمت "محبة" وأنا أصل إلى لفتة مولانا السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- الرائعة، وأنا أشهد الإعلان عن قانون الحماية الاجتماعية الصادرة بالمرسوم السلطاني رقم (52/2023) في التاسع عشر من يوليو الحبيب، وكأنه يقول لشعبه وأنا أولكم لن أنسى هذا الشهر العزيز، فلله دركم يا أبا ذي يزن ما أجمل رقيكم، وما أشد فراستكم، حفظكم الله قائدا مؤيدا، وأبا راعيا، وسلطانا حصيفا، وأدام على عمان نعم الأمن والأمان والاستقرار تحت لوائكم المشرئب في سماوات العزة والفخر، وآخر دعوانا أن الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه حتى يبلغ الحمد منتهاه.

--------------

توقيع:

إلى د. المعتصم المعمري وزملائه: "جملة #والله_نستاهل تردد صداها غيثا مريئا بفضل الله تعالى".