حماية المستهلكين بين التطوير والتضليل

 

مرفت بنت عبدالعزيز العريمية

تقول الدراسات النفسية إنه لا يمكن خداع المستهلك إن لم يكن أصلًا قابلًا للخداع، فوعي المستهلك ليست مسألة هامشية، بل أساسية وضرورية حتى نحمي المجتمع من تبعات الخداع، بحمايته حتى من نفسه إن جاز التعبير.

فلا يمكننا التحدث عن حماية المستهلك دون التطرق إلى مسائل توعيته وتعريفه بحقوقه وواجباته في مراحل الاستهلاك المختلفة، فما نراه من جهود من قبل الجهات المعنية، يصطدم بعوائق من التضليل المتعمد، أو غير متعمد، نظرًا لعدم توفر معلومات واضحة وشفّافة يقدّمها مانح الخدمة أو السلعة. ومع التطور التقني ونمو أساليب التسوق الإلكتروني يتعرّض الآلاف كل دقيقة إلى الخداع والتضليل في عالم الإنترنت المفتوح، وهذا يجعل من عملية التوعية التقليدية مسألة في غاية الصعوبة، ويصبح الحلّ الوحيد رفع مستوى الوعي وتعزيز جهود مؤسسات حماية المستهلك بوسائل وصلاحيات أكبر تضمن حماية المجتمع.

ففي الولايات المتحدة تم تغريم شركة بتعويض 45 مليون دولار، لقيامها بإعلان أن نوعا من أنواع الزبادي له قدرة على تحسين وظائف الجهاز الهضمي وتزويده ببكتيريا نافعة، مقارنة مع أنواع أخرى من الزبادي، وهي معلومة غير دقيقة؛ فالأنواع الأخرى من الزبادي تؤدي نفس الدور. كما أشارت إحدى الدراسات إلى أن 80% من الشركات تتعمد إخفاء معلومات مهمة عن المنتج، خصوصًا إن كان البيع عبر الإنترنت، ونحن يوميًا نتعرض لمئات من الإعلانات التي تروّج لنا منتجات على أنها آمنة ومناسبة لكل الأشخاص، دون دعم علمي معتمد من الجهات المختصة، أو وصف دقيق لما نقتنيه.

نرى جليًا استغلال البعض لجهل المستهلك بحقوقه في توفير معلومات ناقصة، ومُضللة حتى يسقط حقّه في المطالبة لاحقًا، أمثلة كثيرة على ذلك من أبرزها تقديم الضمانات بلغة أجنبية في دولة لغتها الرسمية العربية، ضمانات مصاغة بأسلوب مقتضب بدون تفاصيل أو وصف واضح عما يشمله أو لا يشمله الضمان، وعادة ما تكتب بخطوط صغيرة لا ترى بالعين.

تذكر بعض المؤسسات في وثيقة الضمان عند تقديمها لبعض الخدمات، إخلاءها المسؤولية عن الضرر الناتج من الإجراء في حالة عدم إفصاح المستهلك عن عدم فهمه أو علمه أو إن كان يعاني من مشكلة صحية ما، ودون مراعاة أن المستويات الثقافية للمستهلكين متباينة ويجب أن يتم شرح كل نقطة له بمنتهى المصداقية والوضوح وبلغة يفهمها المستهلك.

من الملاحظ أن حملات الترويج للسلع والخدمات، لا تقابلها حملات توعية بنفس الكم والكيف وهذا يصور الأمور للمستهلك أن كل شيء على ما يرام. ولا يقتصر الأمر على قطاع السلع بل حتى في مجال الخدمات المقدمة من القطاع الخاص بوجه العام والقطاع الصحي بوجه خاص.

ففي القطاع الصحي الخاص لا نرى نظام تسعير واضح للاستشارات والفحوصات، فقد تقوم بنفس الإجراء في مستشفى ما بمبلغ 20 ريالًا ومكان آخر بـ150 ريالًا لنفس الإجراء! بعض الأطباء قد يطلبون فحوصات كثيرة قد لا يحتاجها المريض نظرًا لأن إدارات المستشفيات تطلب منهم تحقيق دخل مُعين. ولا توجد إجابة شافية عن أسباب تباين أسعار الخدمات لنفس الخدمات، لذلك نجد أن المتاجرة بالصحة أصبحت من المشروعات الاستثمارية النشطة في كل مكان.

كثيرة هي الأمثلة وفي كل القطاع، فإن ذهبت إلى المصرف للاقتراض لا يخبرك موظف المصرف أن حيثيات الفوائد قد تتغير، وأنه يمكنك إعادة جدولة القروض إن استجدت الظروف كونها حقًا من حقوقك، فكل ما يقوم به الموظف أن يطلب منك مستندات وأوراق توقعها ثم تمنح القرض.

انتشار تجارة السلع المقلدة استغلالًا لحاجة الناس لمنتجات أقل ثمنًا، علمًا بأن الكثير منها غير مطابق للمواصفات الصحية وقد تضرّ أكثر مما تنفع، إلا أن العائق هنا كثرة المعروض وعبر كافة الوسائل: الأسواق والمتاجر الإلكترونية وتجار الشنطة... مصادر كثيرة لا حصر لها.

وفي القطاع العقاري، فإن كل ما يحصل عليه المستهلك من ضمانات، تتعلق بالضمان العشري، علما بأن أساليب الغش في البناء أصبحت متنوعة، كالغش في الكيبلات والمواد الصحية والأجهزة وغيرها وهذا لا يغطيه الضمان العشري بشكل مباشر، بالتالي تضيع الحقوق وأحيانا أرواح.

خلاصة القول.. إننا بحاجة إلى تطوير منظومة حماية المستهلك بتحسين القوانين التي تحمي المستهلك في كافة القطاعات بما يتلاءم مع المستجدات الحالية، حتى لا يقع على مؤسسات الدولة، معالجة تبعات ونتائج الضرر الذي يقع على المستهلك، نتيجة ضعف القوانين التي تحمي المستهلك، نحن بحاجة إلى مراجعة لمنظومة حقوق المستهلكين في كافة القطاعات، ومواكبة التطور المتسارع في قطاع الاستهلاك وإلى حملات توعية مكثفة، موجهة لكافة فئات المجتمع وبكل الوسائل المتاحة، تبدأ من المدارس وتنتهي في المستشفيات. في عصر الاستهلاك المحموم تسعى التنمية الاقتصادية إلى الحفاظ على مكتسبات الوطن وتطوير الأطر القانونية لجذب الاستثمار النظيف دون تقديم تنازلات على حساب سلامة المجتمع.