عودة العلاقات الصينية الأمريكية

 

تشو شيوان **

اتجهت أنظار العالم خلال اليومين الماضيين للصين ترقبًا لنتائج زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن للصين، فوسط توترات متزايدة بين الصين والولايات المتحدة والمتعلقة بالتجارة والتكنولوجيا والأمن الإقليمي، يأمل العالم أن تنتهي التوترات بين أكبر اقتصادين في العالم، ولكن من يريد إنهاء التوترات عليه أن يُطالب واشنطن بذلك؛ فالموقف الصيني ثابت لا يتغير ولا يتبدل، طالما أن الاحترام المتبادل تُوفِي بشروطه الولايات المتحدة، والصين تؤمن بأن عودة العلاقات الصينية الأمريكية إلى مسارها الطبيعي، تساهم في استقرار المجتمع الدولي.

وقد قال تشين قانغ عضو مجلس الدولة وزير الخارجية الصيني أثناء المحادثات مع أنتوني بلينكن: "إن العلاقات الصينية-الأمريكية في أدنى مستوياتها منذ إقامتها، بما لا يخدم المصالح الأساسية للشعبين ولا يلبي التطلعات المشتركة للمجتمع الدولي". وأوضح أن سياسة الصين تجاه الولايات المتحدة تظل ثابتة ومستقرة، وتسترشد بشكل أساسي بمبادئ الاحترام المتبادل والتعايش السلمي والتعاون المربح للجانبين". هذا يبين النظرة الإيجابية للصين تجاه العلاقة مع الولايات المتحدة، وكل ما هو مطلوب أن تعي الولايات المتحدة هذا الأمر، وتعمل من أجل خفض التصعيد وبناء علاقة قوامها العمل المشترك، وأجد بأن زيارة بلينكن تدعو للتفاؤل الحذر؛ فالأمر مبني على تصرفات الولايات المتحدة في قادم الوقت.

في كل مناسبة تؤكد الصين أن مسألة تايوان تقع في صميم المصالح الجوهرية للصين، وهي القضية الأكثر أهمية والخطر الأكثر وضوحًا في العلاقات الصينية الأمريكية، وعلى الولايات المتحدة الالتزام بمبدأ صين واحدة وعدم دعم ما يسمى "استقلال تايوان". وهذه مطالب جوهرية لن تتنازل عنها الصين حتى لو زار الصين ألف مسؤول أمريكي، فهذه المسألة تحديدًا هي الأهم لتسوية الأمر مع الولايات المتحدة وهي الطريق الذي يحدد من خلاله بقية الأمور، فإن كانت الولايات المتحدة بعيدة عن مثل هذه الاستفزازات ومحاولات العبث في هذه القضية؛ فالسلام سيكون حاضرًا وجليًا، أما إن عبثت بهذه القضية ودعمت تايوان بالأسلحة، فلن تقف الصين مكتوفة الأيدي طالما هناك من يتربص بأمن أراضيها وسلامة مواطنيها ويحاول أن يزعزع استقرارها.

رغم أن زيارة بلينكن هي أعلى زيارة أمريكية منذ تولي الرئيس الأمريكي جو بايدن منصبه، كما يعد بلينكن أول وزير خارجية أمريكي يقوم بزيارة للصين منذ خمس سنوات، إلا أنها لن تأتي بثمارها للوصول لنمو يسهم في إعادة العلاقات الثنائية تدريجيا إلى مسار النمو المستقر للعلاقات بين الصين والولايات المتحدة مع الصين، إلا إن صدق بلينكن في قوله وتصريحه حول الزيارة حيث قال: "إنه يسعى إلى تجنب سوء التقدير وإدارة العلاقات مع الصين بشكل مسؤول"، والمسؤولية هنا التي يتحدث عنها يجب أن تبنع من جانب الولايات المتحدة؛ فالصين تتحمل جانبها من المسؤولية منذ سنوات.

العلاقات الصينية الأمريكية مرّت بالكثير من التحديات خلال السنوات الماضية، خصوصًا بعد أن قررت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب شن الحرب التجارية على الصين ومن بعدها الدخول فيما يمكن تسميته بالوقوف على حافة الحرب الباردة، لكن هذا ليس نهاية الطريق فكل من البلدين لديه خبرات سياسية تمكنه من المضي قدمًا في هذه العلاقة المعقدة، وكل ما يلزم العمل معًا بشكل مباشر وصريح وواضح لحل الخلافات والوصول لتسوية بشأن الاختلافات والقضايا العالقة.

والصين في علاقتها مع الولايات المتحدة واضحة وصريحة، طالما أن الولايات المتحدة تتوقف عن التدخل بشؤون الصين وتتوقف عن مهاجمة الصين في كل مناسبة حينها فقط ستعود العلاقات بين البلدين لسابق عهدها وربما تتطور لنجدها تمضي لشراكات وتبادلات تجارية واقتصادية وحتى فكرية.

إن التفكير في علاقات مستقرة بين الصين والولايات المتحدة سيصب في مصلحة العالم أجمع وليس فقط البلدين؛ فالاستقرار العالمي بات مطلبا للكثير من الدول خصوصًا وأن العالم يتأثر اقتصاديًا بكل أزمة سياسية أو توتر للعلاقات فكيف لو كان التوتر بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، ولكن إن عمل كلا البلدين مع بعضهما البعض؛ إذ إنَّ الاستقرار العالمي سيعود مما سينعكس إيجابًا على الاقتصاد العالمي وهذا ما تريده الصين لعلاقتها مع الولايات المتحدة، وهذا ما ينتظره العالم من الولايات المتحدة ويطالبونهم به، وعلى الولايات المتحدة أن تعي أن تمسكها بقضايا فرعية مثل دعم استقلال تايوان لم يمنع الصين من التقدم والنجاح في مسيرتها التنموية، ومثل هذا الأمر سيكون مآله الفشل لا محال.

من وجهة نظري أن زيارة بلينكن لن تكون الأخيرة في محاولات لتهدئة التوترات بين الصين والولايات المتحدة، بل على كلا الطرفين أن يدعما التبادلات الودية بكل ما أوتيا من قوة فالعمل المشترك هو المآل الوحيد لتحقيق الكسب المشترك، وهذه هي تطلعاته للعلاقات الصينية الأمريكية في قادم الوقت.

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية