جلالة السلطان في إيران

 

علي بن سالم كفيتان

شكلت بلاد فارس جوارًا عربيًا في الجغرافيا وشريكًا في الإسلام، وطموحًا طغت عليه هوية قومية كنوع من الارتهان للتاريخ؛ ففي الوقت الذي لعب فيه عاملا الجغرافيا والدين ميزة يمكن البناء عليها لعلاقات سوية مع الجانب العربي، ظل الصراع القومي لدى الطرفين- العربي والفارسي- عائقًا يحول دون شراكة حقيقية بينهما كأمتين يجمعهما الدين والجغرافيا، ويختلفان على النفوذ في منطقة الشرق الأوسط.

ولا شك أن علاقة سلطنة عُمان بفارس قديمًا وإيران حديثًا، لم تكن مفروشة بالورود، فكلا الطرفين مارسا حق السيادة على ضفتي الخليج لحقب تاريخية مختلفة، وقد يتعجب البعض من "خيط معاوية" الذي لم ينقطع بين الطرفين في عهد إيران الشاه أو إيران الثورة الإسلامية.

لقد تعود الطرفان على بعض، وباتا مقتنعين أنَّ السبيل الأمثل للتعايش السلمي هو ترسيخ العلاقات السياسية القائمة على المصالح المشتركة للبلدين. ويأتي الاستقرار في المنطقة بصدارة سلم تلك الأولويات؛ فالأزمات والحروب لا يمكنها أن تقدم حياة أفضل لشعوب المنطقة، فمهما بلغت الطموحات المدعومة بمد النفوذ وتصدير الآيديولوجيا، إلّا أنها على المديين المتوسط والبعيد لا يمكنها أن تُحدث فارقًا يصب في الرفاه الاجتماعي والاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي، لذلك ظلت عُمان تمارس سياسة التقارب مع الجميع وترك الباب مواربًا، مهما بلغت حدة الاختلاف، وظل السلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- مُمسكًا بخيوط السياسة في المنطقة، ولذلك لا نستغرب أن تكون أول زيارة إقليمية غير عربية لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله- إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

لقد منحت "إيران الشاه" دعمًا حاسمًا لحكومة السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- في حرب ظفار، وهذا الموقف سواءً اتفقنا عليه أو اختلفنا حوله، شكّل منعطفًا مُهمًا في العلاقات العُمانية الإيرانية، فمنذ تلك الفترة تعاملت عُمان مع إيران كجارٍ يمكن الاعتماد عليه، خاصةً مع عدم وجود مطالب أو أطماع إيرانية في الأرض العمانية، وانسحاب جميع القوات عقب انتهاء مهمتها. لهذا احتفظت عُمان بعلاقة ودية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية وساهمت بفعالية في إيجاد حلول لمعظم الأزمات التي وقعت فيها، كالحرب العراقية الإيرانية والمقاطعة والحصار الاقتصادي الغربي بسبب الملف النووي، إلى جانب إعادة العلاقات مع الأشقاء في الخليج وإطفاء الصراعات في اليمن وسوريا. وجميع تلك التسويات مرَّت بمحطة مسقط، وكان هدفها إعادة الدفء في العلاقات وبث روح الثقة مجددًا بين ضفتي الخليج، ومن هنا تأتي زيارة جلالة السلطان المعظم؛ تتويجًا لعلاقات راسخة ومتينة قائمة على الثقة المتبادلة والمصالح المشتركة وعدم التدخل في شؤون الغير.

وبعد أن نجحت سلطنة عُمان في دعم الحوار الإيجابي بين إيران والمملكة العربية السعودية والذي أدى لعودة العلاقات الدبلوماسية بين قطبي المنطقة، وبدء حالة من الاستقرار النسبي في اليمن، إضافة إلى عودة الجمهورية العربية السورية إلى الجامعة العربية، فإنَّ المتابع لزيارة جلالة السلطان المعظم إلى جمهورية مصر العربية ومن ثم إيران يتوقع مُصالحة بين الدولتين وعودة المياه إلى مجاريها عمّا قريب.

عُمان تقود حوارًا بنّاءً لترميم العلاقات في المنطقة، ولا شك أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية بثقلها الإقليمي، تُشكّل عودتها لمحيطها إثراءً للحوار السياسي البناء، يقود لاستقرار أمني وتطور اقتصادي يساهم في الرخاء والرفاه الاجتماعي لجميع شعوب المنطقة.

كما إن نجاح خطوات الحكومة العراقية في تحجيم العنف وترسيخ مبادئ الدولة ومكافحة الفساد يعد مؤشرًا إيجابيًا لتعافي المنطقة، ولا شك أن فتح القنوات مع إيران يُفضي لمزيد من الاستقرار في محيطنا العربي، ويُساهم في بناء جدار الثقة المتصدع، فهل ستدرك الجمهورية الإسلامية الإيرانية تلك الرسائل وتعمل على إرساء الأمن والاستقرار وعودة الانفتاح على العالم؟

لقد عُرف عن السياسة الإيرانية أنها صبورة، مما حدا بالبعض لتسميتها بسياسة "أكل الفستق"، فهم يمسحون الحبة جيدًا، ثم يفتحونها على مهلٍ، ويُزيلون القشور بحذرٍ، وبعدها يتم النظر إليها مطولًا قبل أن يتم قضمها على دفعات، في الوقت الذي يقوم فيه آخرون بالتهام الفستق بقشوره في أحيان كثيرة، ولن أبُالغ إذا قلت إننا في عُمان أصبحنا نجيد التعامل مع سياسة أكل الفستق دون حتى تذوقه؛ فالنظر إليه يكفي لمعرفة نضجه، وما إذا كنَّا مستعدين لأخذ جزء منه كهدية لجيراننا وإخواننا التواقين لتجربته بعيدًا عن نظرة الإيرانيين المتفحصة.