اللحظات الأخيرة في وداع الشيخ المغدور

سارة البريكية

  Sara_albreiki@hotmail.com

مضى مُتكئًا على عصاه نحو صوت الحق كعادته في كل يوم يشق عباب الطريق مزاحما أفواج المصلين في شهر رمضان المبارك صانعا لاسمه الكبير اسما في دار نحبها جميعا وفي الملتقى الأخير، رجل يسكنه الوقار والهيبة يعرف بسيماه أنه من النخبة ومن زمن لا يشبه زماننا، لكن الحاقدين والذي هم موجودين في كل مكان وزمان يتربصون به ويحيكون تلك الجريمة المروعة ويصنعون ذلك الألم الذي أدمى قلوب العالم قبل قلوب العمانيين، وقبل قلوب المقربين من الشيخ الجليل، إنه الشيخ محمد بن سعود الهنائي شيخ تميمة لقبيلة بني هناءة المعروف بالكرم والنخوة والشجاعة والجود والشهامة.

رجل نبيل في زمن غابر رؤيته راحة والتحدث معه سعادة فهو يبعث في نفس كل من يتحدث اليه الفرح والسرور فهو العقل الراجح والوجه الباسم والهيبة المطلقة والوقار الأبدي.

في يوم ليس ببعيد، هز ذلك الخبر أرجاء البلاد باختفاء شيخنا الجليل، ولكن الأماني كانت بأن يكون بخير وأنه سيعود وسنجده هنا أو هناك، لكن هذه المرة مختلفة، فهو لم يعودنا على الاختفاء أبدًا، وقد كان شعور مختلف لم ننم ليلتنا ونحن نبحث عن الشيخ الجليل الذي تأخر هذه المرة عن الحضور المعتاد للمسجد، فلم تحمله خطاه كعادتها إلى بيت الله، وما المانع الذي منعه من الحضور وأين اختفى؟
أقاويل من هنا وهناك وأصوات لم تخفت وسيارات شرطة لم تتوقف عن البحث المكثف، فكان ما كان وحل الظلام على تلك القرية العريقة– بلاد سيت– بدون وجهه الطيب وبدون صوت عصاه الأنيقة وبدون تلويحة يداه وبدون مزاحمته للحضور باكرا لأداء جميع الصلوات، فقد ذهب هذه المرة ولن يعود. لكننا بقينا في التاريخ الذي يسبق لحظة إيجاده ويا ليتنا نزال في نقطة البحث، وليت أنه كان قد اختفى لذهابه لمكان ما وسوف يعود ولكن ليس بهذه الطريقة.

لقد رحل الشيخ محمد من الدنيا بعد جريمة قتل مروعة اقترفها في حقه من لا يخاف الله ورسوله، أولئك الذين سولت لهم أنفسهم بذلك الجرم وكان المصاب جللًا، والجريمة شنعاء، أولئك الوحوش المفترسة والذي يسعون خلف دنيا فانية وأموال لن تدوم، أولئك الذين يستحقون أشد عقوبة رادعة وإعدام على الملأ لما اقترفوه في شهر رمضان المبارك؛ حيث الشياطين مقيدة ولكنهم كانوا أقبح من الشياطين ونفوسهم الأمارة بالسوء قادتهم لإزهاق خمسة أرواح في ذات اليوم.

كانت الضجة وأصوات البكاء تملأ الحي وكانت الصدمة التي تلقاها الجميع كصفعة على وجه الإنسانية، وكان الحزن قد سكن الفؤاد ولازمه ليلتها؛، وكان الفراق محتوما، وكانت الضحايا برئية، وكان الجرح يسيل والدماء لا تتوقف والقبور خمسة؛ فقد رحل إلى جانب الشيخ الجليل رجل فاضل كان يسعى للبحث عن الجناة وفي نهار رمضان شهر الله الذي قارب على الانقضاء ورحلت عائلة أخرى؛ لذلك نطالب وبشدة ردع من تسول له نفسه بقتل روح بريئة طاهرة أن يلاقي أشد أنواع العقاب وأن تتسارع إجراءات المحاكمة، وأن لا تأخذهم لا رحمة ولا شفقة وأن تطبق عدالة السماء بأن "النفس بالنفس"، لأن الجناة يستحقون أقسى أنواع العذاب لما سولت لهم أنفسهم بالفعل المشين الدنيء، وكان الله في عون القلوب الحزينة المثقلة بالألم وشعور الفقد الكبير والجريمة الشنعاء.
ليت كل القلوب كقلب الشيخ محمد، وليت كل العيون كعينه، وليت كل الرحابة التي يتسم بها تورَّث، وليته لم يرحل.. ولكنها كانت اللحظة الأخيرة.