تشو شيوان **
خلال الفترة الماضية قام رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، بزيارة إلى الصين. ومع زيارة ماكرون الأخيرة للصين فُتح الباب للتساؤل: لماذا يتدفق الرؤساء الأوروبيون إلى الصين خلال هذه الفترة؟ وهل لهذا الأمر علاقة بالأزمات المتعددة مثل الأزمة الأمنية والأزمة الاقتصادية والأزمة السياسية؟ أم أن الدول الأوروبية باتت تدرك ضرورة التعاون والحوار بين الاتحاد الأوروبي والصين خدمة لمصالحها ولمصالح شعوبها وقضاياها؟
إن تحقيق المنفعة المتبادلة والفوز المشترك بين الصين والاتحاد الأوروبي، يمثل هدفًا من أهداف السياسة الصينية وهذا أبرز نتائج زيارة ماكرون للصين؛ حيث شهد الرئيس الصيني ونظيره الفرنسي توقيع عدد من وثائق التعاون الثنائي في مجالات الزراعة والغذاء والعلوم والتكنولوجيا والطيران والطاقة النووية المدنية والتنمية المستدامة والثقافة، ومن بينها أعلنت شركة إيرباص الفرنسية أنها وقعت اتفاقية بقيمة إجمالية تبلغ حوالي 20 مليار دولار أمريكي لتسليم 160 طائرة تجارية للصين، إضافة إلى إنشاء خط تجميع ثاني للطائرات في تيانجين، كما قام الرئيس الفرنسي بزيارة مقاطعة قوانغتشو أيضًا؛ حيث تعتبر أكبر مقاطعة صينية تزدهر فيها التجارة الخارجية.
ومن بكين إلى قوانغتشو، تبادل شي جين بينغ وماكرون الآراء من المواضيع الإستراتيجية والاقتصادية والتجارية وصولًا إلى العلاقات الشعبية والثقافية؛ إذ يخطط البلدان لتطوير العلاقات المستقبلية بطريقة شاملة، وفتح آفاق جديدة للتعاون الصيني الفرنسي، ومما لا شك فيه أن المفاهيم الصينية للثقة المتبادلة والمنفعة المتبادلة والفوز المشترك تجد قبولًا قويًا للدول الأوروبية، كما أن الاقتصاد الصيني الذي يحقق تحسنًا شاملًا يضخ زخمًا قويًا لانتعاش الاقتصاد العالمي مرورًا بالاقتصاد الأوروبي.
من الملاحظ للجميع أنه خلال الأنشطة الدبلوماسية المكثفة الأخيرة، لم يتحدث الرئيس شي والقادة الأجانب عن الصداقة والتعاون بين البلدين فقط؛ بل ذكروا أيضًا موضوعات أوسع وأشمل للعلاقات الثنائية، حيث أشار الرئيس شي خلال محادثاته مع نظيره الفرنسي ماكرون، إلى ضرورة الالتزام بالاتجاه العام للشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وفرنسا المستقرة ومتبادلة المنافع والساعي للتحديث والتطوير. وأيضًا خلال لقائه مع رئيس الوزراء الإسباني سانشيز، قال الرئيس شي إن تطوير العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي يتطلب من الاتحاد الأوروبي الالتزام بالحكم الذاتي الاستراتيجي، من المأمول أن تؤدي إسبانيا دورًا نشطًا في تعزيز الحوار والتعاون بين الصين والاتحاد الأوروبي. وعند لقائه مع رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين، أكد الرئيس شي على ضرورة احترام حقوق شعوب جميع البلدان في خيار مسار تنميتها بشكل مستقل، حيث أن تطوير العلاقات الثنائية بين الصين وأي دولة لا يستهدف الطرف الثالث ولا يعتمد عليه ولا يخضع له.
أعتقد أن الدول الأوروبية تهدف إلى إيجاد حل مناسب لتحقيق إستراتيجيتها الذاتية، بدلا من الالتزام بالسياسات الأمريكية بشكل كامل، ومن خلال البيان المشترك بين الصين وفرنسا، لاحظنا أن التعاون الثنائي لا يقتصر على المجالات التقليدية؛ بل يمتد إلى وفتح مجالات تعاون جديدة أيضًا، مما يظهر أن الموقف الفرنسي يُخالف الموقف الأمريكي الذي ينتهج سياسة الانفصال الاقتصادي عن الاقتصاد الصيني، ويبدو أن الجانب الأوروبي لا يجد في هذه السياسة مصالحها الخاصة، لا سيما وأن الصين شريك قوي للاقتصاد الأوروبي والسوق الصيني سوق كبير وفرصة كبيرة للشركات الأوروبية.
وعلى جانب آخر، تعد الأزمة الأوكرانية أحد الموضوعات المهمة في الاجتماعات الصينية الفرنسية والصينية الأوروبية؛ إذ أن جميع الأطراف لا تريد أن تتدهور الأزمة وتخرج عن نطاق السيطرة، كما تسعى جاهدة لتقليل أو حتى تجنب التأثير غير المباشر للأزمة الأوكرانية على حياة الشعوب ووضع الدول. وعلى الرغم من أن المواقف الصينية والأوروبية تجاه الأزمة الأوكرانية تختلف إلى حد ما، إلّا أن الأزمة الأوكرانية ليست مشكلة أو مواجهة بين الصين وأوروبا، والجميع يعلم أن مصالح الدول الأوروبية تضررت بشكل كبير بعد اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وتعاني الدول الأوروبية نسبة عالية من التضخم، وتضطر إلى دفع نفقات عالية لاستيراد النفط والغاز الطبيعي بعكس الولايات المتحدة فهي تستفيد من هذه الحرب إلى حد كبير، فإنهاء الحرب في أسرع وقت ينسجم مع مصالح الدول الأوروبية، ولهذا تواصل الصين لعب دور نشط في تهدئة الأوضاع المتوترة ودفع محادثات السلام، وتدعم الجانب الأوروبي في طرح أفكار وخطط لحل سياسي للأزمة الأوكرانية على أساس مصالحها الأساسية وتعزيز إقامة إطار أمني أوروبي متوازن وفعال ومستدام.
خلاصة القول.. إن الصين والدول الأوروبية تتمتع بمصالح مشتركة، وكلاهما لديهما قوة مهمة في الساحة السياسية الدولية، وتعميق العلاقات الإستراتيجية بين الجانبين الصيني والأوروبي لا يخدم مصالح الصين والاتحاد الأوروبي وحسب؛ بل يساهم في الحفاظ على السلام والتنمية والاستقرار في العالم بأكمله. وبوجهة نظري أن المزيد من المسؤولين الأوروبيين سيزورون الصين في قادم الأيام؛ فالانحياز تجاه الرؤية الأمريكية للصين، لم يعُد ينفع في ظل تقاطع المصالح وبيان الحقائق.
** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية