حمد بن سالم العلوي
ما من عملٍ مُفيدٍ يمكن أن يُنجز دون تخطيط مُتّقن، وأهداف واضحة وجلية، فحتى شربة الماء على بساطتها لا تنجز على وجهها السليم دون أن يخطط لها، وإذا خرجت من منزلك قاصدًا الذهاب لإنجاز عمل ما، فيتحتم عليك أن تخطط في عقلك على أقل تقدير، لهذه الرحلة أو المهمة، بداية عن الوسيلة التي ستستخدمها، ثم عن الطريق الذي ستسلكه في ذهابك وإيابك، والطرق البديلة إن استلزم الأمر لإيجاد البديل، وكذلك سوف تفكر في طريق العودة بعد إنجاز المهمة، ففي الأمر تحليل للمهمة، وتخطيط لكيفية إنجازها، وإلا فإنك ستضيّع وقتك دون جدوى.
إذن؛ هذه المقدمة البسيطة تبيّن لنا الفارق بين العشوائية أو الفوضوية في حياتك اليومية، إن لم تستخدم التخطيط في عملك اليومي، وينقسم التخطيط إلى قسمين رئيسيين أولهما؛ التخطيط التكتيكي أو المرحلي، وثانيهما؛ التخطيط الاستراتيجي أو بعيد الأمد، وقد يخدم التخطيط التكتيكي المخططات الإستراتيجية، ولكن لا يحدث العكس في غالب الأمر، وكل تخطيط لا تكون له أهداف يحققها، ونتيجة مثمرة له، فلا يحق أن يسمى تخطيطًا على الإطلاق.
إنَّ التخطيط السليم، يجب أن يكون مبهرًا نافعًا، وخادمًا للحالة الراهنة، ومُحققًا لأهداف مستقبلية، وعلى سبيل المثال يقوم مخططو المدن، بتخطيط الأماكن العامة، وأماكن السكنى بكافة أنواعها، ويخططون كذلك للمرافق العامة، ومرافق الخدمات والطرق وأفرعها، ومداخلها ومخارجها، والموانئ والمطارات، والمناطق الصناعية والتجارية، والأسواق على اختلافها.
وهناك التخطيط العسكري أو الأمني ولهما همومهما المختلفة عن التخطيط المدني، ولكن الشيء المشترك بينهما النظرة المستقبلية، ولذلك فكل شيء بقدره وبنسبته وتناسبه مع تلك الاحتياجات الخاصة، وبما يحقق الأهداف المرجوة من وراء ذلك التخطيط، والأهداف المرسومة لكل عمل بصورة مستقلة عن الآخر.
فإذا نظرنا اليوم إلى حال العاصمة "مسقط" ونصيبها من التخطيط الإستراتيجي الذي يحقق أهداف النمو والتطور الاجتماعي والصناعي والتجاري والثقافي، ندرك من واقع الحال الذي جرى عليه التخطيط لنشأة المدن الحديثة، أنه قد وضعت خطط بصورة أقرب إلى الخطط التكتيكية، ثم أقفل هذا المُخطِط الدرج على الخطط الاستراتيجية وسافر بلا عودة!
تنظر إلى المدن الحديثة في مسقط فتجدها مكتظة بالمربعات الاسمنتية من عمارات ومساكن، ومعظم هذه المساكن ضيقة جدًا وكأنها مدنٌ تعج بملايين الناس، ولكنها تخلو من النظرة المستقبلية للتوسعة؛ فالطرق- مثلًا- لا يُمكن التوسعة فيها إلا بطوابق فوق بعضها البعض، ولا تجد أي متنفس من الحدائق إلا قليلًا، ولا مواقف للسيارات كافية، أو أماكن لإضافة خدمات أخرى، كالمحال التجارية، أو المستشفيات والعيادات، أو المكتبات العامة، أو مراكز الترفيه الاجتماعي، ويُحكم على الأسر من أول تفريعة بالتشتت، فإذا بشخص عنده مجموعة من الأولاد، لا يستطيع أن يجد لهم سكنًا في نفس المحيط، وإنما سيتوزعون على مناطق ومخططات متباعدة، وسيزورون بعضهم كالغرباء، وليس بإمكانهم التآزر الأسري، بحيث إذا غاب أخ عن أسرته يجد أحدًا من أخوته يشرف على أبنائه في فترة غيابه بسبب هذا التباعد المكاني.
إذن؛ لا التخطيط القديم- وأقصد بعد عام السبعين- أو التخطيط الحديث الذي جرى منذ عشرين عامًا مضى، يقنعان أحداً أن الثاني أخذ العبرة من الأول، فوضع في الاعتبار شيئًا من الرحابة للسنوات القادمة، فعلى سبيل المثال طريق مسقط السريع الذي فُتح رسميًا قبل 12 عامًا أمسى ومنذ أكثر من 7 سنوات، وليس من الأمس، لا يستوعب حركة المرور، وفي ساعات الذروة يتوقف السير تمامًا، وتظل الحركة المرورية راكدة. وكذلك الحال في شوارع الخوض والموالح والمعبيلة، وهذه مدن حديثة، ولن أتكلم عن روي والوطية والخوير أو الغبرة. وإذا ذهبت إلى معرض مسقط الدولي للكتاب فإنك لن تتمكن من الوصول إليه إلا بشق الأنفس، وإذا أردت الخروج منه، ستحلف يمينًا أنك لن تعود إليه مرة أخرى، وذلك بسبب عذاب الخروج من الزحمة.
وإذا دخلت معرض الكتاب مثلًا، وكنت زائرًا من خارج السلطنة، فإنك لن تستطيع أن تشتري هدايا من الحِرف الوطنية من تلك الباحات الكبيرة الواسعة، وعليك أن تدخل في عراك آخر بالذهاب إلى مطرح، أو أسواق نزوى وغيرها من الأسواق البعيدة، ففي بلدان العالم مكان كمعرض مسقط الدولي للكتاب، فإنِّه يحوّل إلى سوق عكاظ يكتظ فيه الباعة من كل مكان، وبكل شيء تحتاجه، وقد قال لي أحد الأشخاص إنه أراد أن يفتح مقهى صغيرًا في المعرض، فقيل له المكان كله "محتكر للفندق الفلاني" فذهب لهم فقالوا له: لدينا عقود مع جهة واحدة، ولا مكان لك بينهم.. وقس على ذلك أشياء كثيرة لتعرف العقول غير المنفتحة؟!