الثروة الحيوانية.. الواقع والمأمول

 

سالم الكثيري

 

خرجت ‎ندوة اللبان والثروة الحيوانية- التي عقدت يومي 18 و19 سبتمبر الماضي، تحت رعاية صاحب السُّمو مروان بن تركي آل سعيد ‎محافظ ظفار، بتوصيات غاية في الأهمية؛ للنهوض بقطاع الثروة الحيوانية في محافظة ظفار، ولاحظنا الحرص التام من القائمين على هذا الأمر على ترجمة هذه التوصيات إلى واقع ملموس.

وعلى الرغم من عدم رضا مربي الثروة الحيوانية عن دور الشركات المتخصصة في هذا الشأن؛ سواء هذه التي تأسست حديثًا كالبشائر للحوم والمروج للألبان أو تلك التي مضى على تأسيسها عقود كالشركة الوطنية لتنمية الثروة الحيوانية ‎وشركة النجد للتنمية الزراعية، إلا أن تواجدها على أرض الواقع يعد مكسبًا وطنيًا لا يمكن إنكاره وخطوة في الاتجاه الصحيح لابُد من استثمارها الاستثمار الناجح. كما إن الإعلان عن افتتاح مصنع الأسمدة في منطقة ريسوت الصناعية مع بداية عام 2023 يمثل إضافة مهمة في هذا المجال الذي لم يعد ينقصه إلا مصنع للجلود ليكتمل مربع الإنتاج الحيواني المتمثل في اللحوم والألبان والأسمدة والجلود. ومع إدراك التحديات التي تواجه هذه الشركات وتفهم صعوبة البدايات، إلّا أنه لا بُد من التأكيد على دور الحكومة في سد الفجوة المتمثلة في أحقية هذه الشركات في الربح وأحقية المواطن في تسويق منتجاته بما يضمن الفائدة للجميع وهذا هو المأمول من الجهات المعنية.

وبما أن الإحصائيات تشير إلى أنَّ 60 في المئة من أعداد الإبل والأبقار في السلطنة تتواجد في محافظة ظفار؛ حيث بلغت أعداد الإبل 170 ألفًا وأعداد الأبقار 243 ألفًا. ومع بروز أهمية الأمن الغذائي والتوجه الحكومي لتحويل هذه الأعداد الهائلة إلى ثروة وطنية يمكن الاستفادة منها على كل الأصعدة فقد تكون هذه هي اللحظة المواتية لإحداث نقلة نوعية في هذا القطاع الحيوي الذي يمس شريحة كبيرة من أبناء المجتمع العماني.

ومع أهمية ما تمَّ طرحه في الندوة المشار إليها من قبل المختصين والمهتمين باللُبان والثروة الحيوانية، أودُ التركيز هنا على التوصيات المتعلقة بشقي اللحوم والألبان؛ حيث إنه لم يعد هناك بُدٌ من المضي قدمًا في زيادة مراكز استقبال الحليب لمشروع المروج في الولايات الأخرى، إضافة إلى ولاية صلالة، وكذلك إعادة النظر في طريقة الاستقبال الحالية بحيث تتناسب مع أعداد الإبل المملوكة لكل شخص ليضمن الجميع نصيبهم في البيع وكذلك الالتزام بعملية الدفع بشكل شهري ومنظم. ويتعين كذلك بذل كافة الإمكانيات لشراء شركة البشائر نسبة ثابتة من حيوانات الذبح من المربين، بسعر مقبول، حتى وإن اضطُرت هي لبيع الكيلوجرام بسعر السوق، نظرًا لجودته كمنتج محلي وليس مستوردًا.

الأمر الثالث والأكثر أهمية يتمثل في العمل على تنفيذ مقترح تعاقد شركة مزون مع المروج لاستقبال الحليب بشكل مباشر لما ستحدثه هذه الاتفاقية من انفراجة حقيقية للمربين، والذي من المتوقع أن تصل فيه كمية الاستقبال إلى 200 ألف لتر يوميًا مع اكتمال المشروع في شكله النهائي، وهذا رقم كبير جدًا وطموح مقارنة مع 12 ألف لتر التي تستقبلها المروج الآن!

ولتحقيق مزيدٍ من الفائدة يجب النظر لهذه المعادلة من مختلف أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية؛ حيث إن تخفيض أسعار الأعلاف وفتح منافذ تسويق دائمة للحوم والألبان والأسمدة والجلود وغيرها من المنتجات المستخرجة من الحيوانات، سيشجع المربي على الاستغناء عن الكثرة، والتركيز على الجودة؛ ليُصبح مربيًا منتجًا بدلًا من مستهلك مع مرور الأيام. هنا سنضمن دخلا مستدامًا لملاك الثروة الحيوانية ونمطًا اقتصاديًا حديثًا في طريقة تربية المواشي بدلًا من النمط العاطفي والاجتماعي السائد، وسيُساعد هذا النمط على تخفيف الضغط على الحمولة الرعوية التي لم تعد تحتمل كل هذه الأعداد المتزايدة.

وفي الختام.. يمكن القول إنَّ هذا القطاع بات يقف على قاعدة متينة ورؤية واضحة وبإدارة من الكفاءات والقيادات العمانية المخلصة، يقابلهم على الجانب الآخر المواطن الواعي والمربي المتعاون، وفي حال تضافر الجهود سنحوِّل معًا كل هذه التحديات إلى فرص وستتحقق لنا معاني الاستدامة المنشودة والنتائج المبهرة التي انتظرناها طويلًا لأكثر من نصف قرن!