إبراهيم الريامي
قد يبدو لنا أن موضوع التقدم العلمي والمعرفي والابتكار أمر في غاية الصعوبة والتعقيد، وأن الدول التي سبقتنا في هذه المجالات حباها الله بمميزات لا تتوفر لدينا. والواقع أنهم ليسوا بأفضل منَّا لا بالتفكير ولا بالفهم. والذين أتيحت لهم فرصة الدراسة مع طلاب أجانب من دول متقدمة علميًا يشهدون على ذلك، بل إن الطالب العربي قد يتفوق على نظرائه الأجانب في كثير من الأحيان. إذن هم لم يخلقوا بمعايير ومواصفات مختلفة تتفوق علينا. وهذا يعني أن نكون أمة متقدمة مبتكرة مثلهم، أمر ممكن.
السر في تطور الدول المتقدمة ليس في غناها؛ فالدول الخليجية غنية لكنها أقل تقدمًا من الناحية العلمية، السر ليس في الديمقراطية فالصين مُتقدمة علميًا لكنها دولة لا تعترف بالديمقراطية الغربية، السر ليس في العبادات؛ فالمسلمون حريصون على عباداتهم، ومع ذلك هناك أمم غير مسلمة متقدمة علمياً بشكل أكبر على بلاد المسلمين. كما أن تقدم المسلمين وكثرة ابتكاراتهم قديما يدحض أي حجة بأن الدين هو السبب وراء تخلف الأمة.
إذن أين يكمن السر؟ السر ببساطة يكمن في إدراكنا لحقيقة واحدة وهي أن ما نركز عليه ويشغل معظم وقتنا واهتمامنا هو في الغالب ما سوف نناله ونحصل عليه، هذه العبارة من المهم أن نتوقف عندها ونعيد قراءتها عدة مرات.
ماذا يشغلنا كأمة؟ ما الذي نركز عليه؟ وما أولوياتنا؟ وماذا يدور في مجالسنا؟ ماذا نناقش في اجتماعاتنا؟ هل نحن منشغلون بمشاكل الماضي أم باستشراف المستقبل؟ إذا كان جُلّ وقتنا يهدر في مناقشة صغائر الأمور فمن الطبيعي أن تكون النتائج صغيرة.
الكاتب محمد حطحوط كتب مقالاً حول الباحث الأمريكي جيم كولينز، متخصص في علم الإدارة بحامعة ستانفورد والذي أمضى سنوات من البحث للإجابة عن سؤال واحد: لماذا توجد بعض الشركات في السوق والتي كانت في فترة من الفترات شركات (جيدة) ثم تحولت الى شركات متميزة عملاقة في غضون 5 سنوات فقط؟ هذه الشركات كانت في الماضي (جيدة) في مبيعاتها، وتحقق هامش ربح جيد، لكنها تحولت من شركات عادية إلى شركات عظيمة عملاقة في غضون خمس سنوات. هناك مجموعة من العوامل التي ساعدت هذه الشركات في التطور المذهل الذي أحرزته، لكن من بين أهم هذه العوامل هناك عامل مهم جداً وهو أن قادة هذه الشركات قاموا بعمل واحد ميزهم عن كثير من الشركات الأخرى وهو العمل بمبدأ ما الذي يجب أن نتوقف عن فعله الآن وهو ما أسماه بقائمة الإهمال. أي لكي نركز على أهدافنا الأساسية يجب أن نهمل ونتوقف عن فعل بعض الجوانب الأخرى غير المهمة.
بمعنى آخر، إن ما يحول دون الوصول للتميز وتحقيق النتائج الكبيرة هو إهدار الوقت في صغائر الأعمال عديمة الجدوى والتي تسرق وقتنا وتنهك قوانا دون تحقيق منجزات عظيمة. وانشغالنا الدائم لا يعني بالضرورة أننا ننجز فقد ننشغل كل يوم بالقشور وهدر الوقت بأمور سطحية قد لاتفضي إلى نتائج ذات أهمية.
يقول الراحل ستيف جوبز "عندما نكبر يقال لنا إن العالم كما هو، وإن دورنا أن نعيش في هذه الحياة. نكون أسرة، نستمتع بوقتنا، نوفر جزءا من نقودنا للمستقبل... إلخ. لكن هذه الفكرة حول الحياة هي فكرة متواضعة ومحدودة.. إذ إن الحياة يمكن أن تكون أكبر من ذلك بكثير متى ما أدركنا حقيقة واحدة وهي: أن كل الاختراعات حولنا والتي نستخدمها في حياتنا اخترعت من قبل أشخاص ليسوا أكثر منَّا ذكاءً، وأنه بإمكاننا أن نغير ونؤثر في هذه الحياة، وأنه عندما نكتشف ذلك فاننا لن نكون كما كنا في السابق".
لسان حال الأمة يقول لن نرضى إلا أن نكون في الصدارة وفي كل شيء. وكما قال ستيف جوبز إن من اخترعوا المنتجات حولنا ليسوا أكثر ذكاء منَّا، وأقول أن نكون أمة متقدمة مبتكرة أمر ممكن. إن طريقة تفكيرنا والأولويات التي نضعها إما أن تقودنا إلى التطور والنمو المذهل أو تحرمنا من تحقيق الأهداف العظام. لكن كيف يمكن أن نسقط هذا الفهم على قضية إمكانية أن نكون أمة متقدمة ومبتكرة.المقترحات في هذا المجال كثيرة لكن يمكن إيجاز بعضها على النحو التالي:
- التوقف عن إهدار الوقت في الأشياء الصغيرة التي لا تحقق غايات كبرى.
- أن يشغل موضوع التقدم العلمي والابتكار لقاءاتنا واجتماعاتنا ونعطيه حيزا كبيرا من اهتماماتنا.
- دعوة المختصين والمهتمين في هذا المجال وإقامة الورش المختلفة على مدار العام.
- القيام بزيارات إلى دول متقدمة في هذه المجالات والدخول في مشاريع مشتركة معها وتفعيل دور السفارات في الخارج للاهتمام بهذا المجال.
- تقديم الحوافز والمغريات لتشجيع الدول التي تود التعاون معنا في هذه المجالات.
- العمل على توطين التكنولوجيا وخلق حزم من التحفيزات اللازمة لتشجيع انتقالها.
- تخصيص جزء من الموازنة السنوية لدعم البحث العلمي والابتكار. الدول المتقدمة تخصص ما قيمته 1% إلى 5% من إجمالي الناتج المحلي لدعم البحث العلمي والتطوير.
- إطلاق شعار "بلادي أمة مبتكرة".
- إدخال البحث والتطوير كمادة أساسية في المناهج الدراسية وإنشاء المعامل والحاضنات لها في المدارس والجامعات وتخصيص الموازنات اللازمة لها.
- إطلاق جوائز سنوية لأهم عشرة اختراعات وطنية. ودعوة الشركات والأجهزة الاستثمارية لدعمها وتبنيها.
- بث ثقافة القراءة في المجالات المختلفة في المجتمع. فالقراءة ليست من أجل الامتحان فقط لكنها أسلوب حياة يجب ترسيخه وعدم التنازل عنه.
- تشجيع الصحافة المحلية على متابعة قضايا البحث والتطوير وتسليط الضوء عليها.
- استقطاب الكفاءات العالمية في بعض المجالات المطلوبة وتشجيعهم على الإقامة الدائمة في البلاد وتقديم بعض الحوافز والمغريات لهم.
- حصر الكفاءات الوطنية المهتمة بهذه الجوانب وجعلها نواة لانطلاق نهضة تكنولوجية متطورة.
وفي الختام.. علينا دومًا أن نستبشر خيرًا بالمستقبل والتأكيد على أن نكون أمة متقدمة مبتكرة أمر ممكن بإذن الله.