عيد منتصف الخريف.. ماذا يعني للصينيين؟

 

تشو شيوان **

يحتفل الصينيون هذه الأيام بعيد منتصف الخريف والذي يوافق 10 سبتمبر؛ أي اليوم الخامس عشر من الشهر الثامن حسب التقويم الزراعي الصيني، والذي يعد واحدًا من أهم الأعياد الشعبية في الصين، وثاني أهم عيد صيني تقليدي بعد عيد الربيع. ويمثل عيد منتصف الخريف يومَ لم شمل الأسرة والاستمتاع بالقمر، ولهذا أردتُ أن أعرِّفَكم بتقاليد الشعب الصيني في هذه المناسبة، وبنفس الوقت أسلطُ الضوءَ على بعض المعاني والمفاهيم الخاصة بالحياة بالنسبة للصينيين.

يصادف عيد منتصف الخريف ليلة اكتمال القمر باستدارته ولمعانه البارق، وحسب السجلات التاريخية يأتي هذا الأمر في منتصف الخريف، ويعتقد الصينيون أن البدر يرمز لاجتماع شمل العائلة، ولهذا نجد أن أهم التقاليد الشعبية لهذا العيد هو أن الأسر تجتمع وتستمتع بقضاء وقت جميل مع بعضها البعض وتتشاهد القمر معاً في تمنيات بالألفة والمحبة بين أفراد الأسرة على طول السنين، وربما قد يجهل الكثيرون بأن التقاليد الصينية تحترم الأسرة ومكوناتها الأساسية، وفي كل مناسبة اجتماعية لابد أن ترتبط بالعائلة والأسرة ويكون الاجتماع وقضاء الوقت معاً هو مصدر للبهجة والسرور بالنسبة للصينيين، وقد نتشارك هذه الجزئية مع الأصدقاء في الوطن العربي والمعروف عنهم أن لديهم ارتباطات وثيقة بعائلاتهم سواء عائلاتهم الصغيرة أو الكبيرة والممتدة، ومن وجهة نظري أننا نتشارك معاً هذا المفهوم ونحترمه ونقدسه في حياتنا.

معظم احتفالات عيد منتصف الخريف تتعلق بالقمر والأساطير المتداولة حوله، ولأن القمر هو الرمز الأساسي لهذا العيد؛ فلا يكتمل الاحتفال إلا بكعكة القمر الشهيرة، وهي حلوى لا غنى عنها لقضاء عيد منتصف الخريف، وبدأت تنتشر بشكل لافت في جميع أنحاء العالم لطيب مذاقها ولشكلها الجميل الذي هو أقرب ما يكون لعمل فني متقن الصنع. وتتكون كعكات القمر التقليدية من قشرة رقيقة من المعجنات التي تغلف حشوات حلوة مثل بذور اللوتس. وترجع عادة تناول كعك القمر إلى نحو 1000 عام تقريبا، وهي ذات علاقة وثيقة بثقافة وتاريخ الصين، وقد قلت عنها إنها أشبه بعمل فني متكامل؛ لأنها تزين ببعض الزخرفات والرسومات أو الكتابات الصينية التقليدية من الأعلى والتي عادة ما تحمل رموزا تدل على التمنيات بإطالة العمر والسعادة والتناغم. وعندما أتيتُ إلى المنطقة العربية وجدتُ أنه يتم تقديم حلوى شبيهة بكعكة القمر في الأعياد والمناسبات في هذه المنطقة والتي تسمى "المعمول" والذي يشبه كثيرًا كعكة القمر من حيث الشكل وطريقة الإعداد، إلا أن كعكة القمر لها تاريخ طويل وارتباط وثيق بالصين والصينيين.

في الخريف تتفتح أزهار "الأوسمانثوس" وتنشر رائحتها المعطرة في كل مكان، ومن الأمور الشائعة في هذا العيد في الصين أن الناس يتعطرون بعطر الأوسمانثوس الذي يرمز للازدهار والسعادة في الثقافة الصينية، وأيضاً يتم إضافة نكهة الأوسمانثوس في المأكولات والمشروبات المخصصة للعيد لتمكن الناس من التمتع بالأجواء الاحتفالية بشكل أفضل.

وأيضاً من التقاليد المتزامنة مع هذا العيد أن تقدم مجموعة الصين للإعلام سهرة خاصة تجمع بين الثقافة والفن، وخلال عطلة عيد منتصف الخريف، وتتكون السهرة من ثلاثة أقسام، وتشمل أساليب فنية متنوعة مثل الأغاني والعزف على الآلات الموسيقية إضافة إلى العروض الابتكارية المتقدمة، وعادة ما يجتمع الصينيون مع أسرهم لتناول العشاء مستمتعين بهذه السهرة التقليدية، وهذا العام ستقام السهرة في مقاطعة جيانغسو.

رغم أن عيد منتصف الخريف عيد تقليدي صيني، إلا أنه منتشر على نطاق واسع في العالم. وفي بعض الدول الآسيوية مثل اليابان وفيتنام وسنغافورة والفلبين وكوريا الجنوبية، الناس هناك يحتفلون بهذا العيد بسبب تأثيرات الثقافة الصينية، لكن طريقة الاحتفال به في تلك الدول تختلف عن أسلوب الاحتفال الصيني.

وعيد منتصف الخريف هو فرصة لنا لأن نُعرف العالم العربي على جزء من ثقافتنا وموروثنا التاريخي كشعب صيني، وأن نحتفل معكم بهذه المناسبة التقليدية وأن نتمنى لكم أيضاً بأن تستمتعوا مع أسركم بحياة كريمة وسعيدة، وكما هي العادة في الصين بأن نتبادل التهاني والأماني بدوام لم الشمل، وأتمنى أن يدوم لم الشمل على جميع الأصدقاء في الوطن العربي، كما أتمنى لهم أن تكون أيامهم جميعا تشبه القمر ناصعة وبراقة.

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية