سالم بن نجيم البادي
يعيش ملاك الإبل حالة من الترقب والقلق والخوف، وقد طُلب منهم حبس إبلهم حتى لا تخرج إلى الشوارع وتكون سببًا في حوادث السيارات، وإذا وجدت في الشارع يتم القبض عليها من قبل الجهات المختصة؛ فالويل ثم الويل لهم عندما يُجبرون على دفع غرامة مالية يعتقدون أنها كبيرة وهي أن لا تقل عن 100 ريال ولا تزيد عن 300 ريال، والسجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على 3 أشهر أو بإحدى هاتين العقوبتين.
هُم يقولون إن الإبل كانت موجودة قبل هذه الشوارع، وأنها دواب تسعى في أرض لله بحثًا عن الرزق، وإن مرت على الأسفلت الأسود فإن الذنب ليس ذنبها ولا ذنب أصحابها، فهي لا تدرك أن الأرض التي كانت دوربًا سالكة لأسلافها الإبل منذ آلاف السنين، صارت أرضًا محرمة عليها. وأصحاب الإبل يتحدثون عن ضرورة وجود حواجز حول الشوارع لمنع عبور الحيوانات كافة مع أهمية أن تكون الشوارع كلها مزودة بالإضاءة خاصة مع إمكانية تركيب مصابيح إضاءة ليلية تعمل بواسطة الطاقة الشمسية. ثم ينبغي أن يكون سائق السيارة حذرا وهو يقود سيارته في الليل وأن يتجنب السرعة الزائدة، ولا يلقى اللوم كله على ملاك الإبل.
من جانب آخر، ارتفعت أسعار الأعلاف الحيوانية ارتفاعًا جنونيًا وصمت الجميع، بما فيهم الجهات الحكومية ذات الاختصاص، التي تركت أصحاب الإبل والمواشي الأخرى بلا سند!
وللإبل مكانة مرموقة لدى قطاع واسع من الناس في بلادنا عمان، وهي عزيزة وغالية، ويُستفاد من لحومها وحليبها ولها فوائد كثيرة؛ حيث تجذب رياضة سباق الإبل جماهير غفيرة من عشاق هذه الرياضة، وكذلك مسابقات مزاينة الإبل ولها دور في الترويح عن النفس والتسلية وقضاء أمتع الأوقات مع الإبل خاصة في أوقات الصباح الباكر والعصر حتى غروب الشمس في أماكن تواجدها وما يطلق عليه العزبة وتوجد عادة بعيدا عن العمران، وتباع بعض هذه الإبل بأسعار عالية تسهم في توفير المال لملاكها كما إن لها مكانة مرموقة في الموروث الشعبي العماني في الحكايا والشعر، الذي يقال في وصف جمالها ورشاقتها ومدح السلالة التي تنحدر منها وعراقتها وأصالتها ويعرفون أنسابها كما يعرفون أنسابهم، ولها فنون وأهازيج خاصة بها، وهي رفيقة الإنسان العماني قديمًا في حله وترحاله وفي الشدة والرخاء، وهي حاضرة في كل المناسبات السعيدة مثل الأعياد والأعراس وحفلات الختان، وقد كانوا إذا وُلدت ناقة أحدهم يقدمون له التهاني ويحرص الجيران على إحضار العلف للناقة، وصاحبها يقوم بذبح ما تيسر من البهائم ويوزع اللحم احتفالا بهذه المناسبة.
وأصحاب الإبل ينفقون مبالغ مالية طائلة لتوفير العلف لها بمختلف أنواعه مثل القت والأعلاف الأخرى وحب الشعير وربما السمن البلدي والعسل والتمور الفاخرة، كما إن علاج الإبل في حال مرضها يتطلب إنفاق الأموال الكثيرة على فحص الدم في المختبرات المختصة وشراء الأدوية وتعد لحوم الإبل من أفضل اللحوم من حيث القيمة الغذائية وعدم احتوائها على ما يضر صحة الإنسان، وذلك ينطبق على حليب الإبل أيضًا.
وتُذبح صغار الإبل للضيوف والمناسبات المختلفة وذبحها دليل على الكرم وحين يكون الضيف من كبار القوم وصاحب مكانة اجتماعية عالية يتصدر السنام المائدة العامرة والذي يعد من أجود أجزاء الذبيحة. والآن يوجد من يشن حملة شعواء ضد الإبل وكأنها السبب الوحيد في حوادث السيارات، فأحدهم وصف الذي يترك إبله سائبة بـ"المجرم"، وطالب بتشديد العقوبة عليه وهي قد تكون شردت في غفلة منه! كما إن بعض سكان السيوح والقرى البعيدة ربما يتركون أبواب منازلهم مفتوحة في الليل، فتدخل الإبل بعد أن تجذبها رائحة الأشجار التي داخل البيوت؛ فتدخل وهنا تحدث المشاكل بين أصحاب البيوت وملاك الإبل، وكان الأولى بأصحاب البيوت غلق أبواب منازلهم ليلا.
وتظهر بين الحين والآخر دعوات لخفض أعداد الإبل بدعوى أنها تسبب أضرارًا بالبيئة والغطاء النباتي عن طريق الرعي الجائر!
إن مشكلة الإبل السائبة تحتاج إلى حلول والتعاون بين ملاك الإبل وكل الجهات ذات العلاقة، حتى لا تُثقل الغرامات وأسعار الأعلاف كاهل أصحاب الإبل، ولا تُزهَق الأرواح بسبب الحوادث التي تكون الإبل سببًا فيها.
والغرامات والعقوبات هي الحل السهل والجاهز دومًا، ولا أعلم هل توجد إحصائيات دقيقة تذكر نسبة الحوادث التي تقع بسبب الإبل إلى جانب الأسباب الأخرى مثل السرعة الزائدة والانشغال بالهاتف والإرهاق والإهمال والقيادة بتهور؟ أو أن يكون السائق قد تعاطى المؤثرات العقلية، وكذلك أعطال السيارة، وغير ذلك من الأسباب.
وأصحاب الإبل يتساءلون بعد كل ما ذكر.. ألا يوجد حل آخر غير الغرامة والعقوبة أو حبس الإبل؟