ما زالت الحرب مستمرة

 

فاطمة الحارثية

 

لا يستطيع أي ديكتاتور أو ظالم أو معتدٍ أن يُهيمن بظلمه وسوء فعله إلا بمباركة صمتنا وخنوعنا، فالكثير من الإرهاب والألم والفقد والخوف حصل لأننا لم نقل شيئًا، ففهِم الحمقى أننا راضون ولا اعتراض؛ بل وتجرأوا أن تخيلوا أنهم أقوياء وجبابرة، وشيرين أبوعاقلة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، لم يغتالها رصاص المحتل؛ بل صمتنا وشعارات الجبناء منِّا، حلمها كان أن تُعطي بلا حدود ما أمكنها.. أن ترى ابتسامة الناس، وتصنع الأقوياء بإلهامها بأن الكل يستطيع وقادر أن يتحرر من قيود الخوف؛ لأن الخوف مشاعر فقط وليس أصفادًا حقيقية.

تندلع الحروب من طيات الكلمات التي تتغذى من الظن، وتعصف بمجموعة من الحمقى، ليدفع ثمنها البشرية، والوجود، يقوى الظلم والاستبداد لأننا اخترنا ذلك تحت الظل بكل هدوء، بل ويصل عند البعض منا، يغذيه سوء الفهم والتفسير الخاطئ، ليتعاضدوا مع الشر ويُزيد من شوكته، فهم قيموا النتائج التي قدروها مسبقا، بما يعتقدون بأن تكبيل أفواه الناس يصب في صالحهم؛ وهذا دليل على افتقار الكثير من الناس، للوعي ومعرفة الحقائق، وفنون الحرب وخدعها، وأيضًا العلم بأبعاد السلوك وتبعاته، فيما يأتون به والقرارات التي لن يطول بهم العمر ليتحققوا من نتائجها. إن التسلسل والربط بين الأمور ليس هدفا، لكنه أساس طبيعي لتحقيق النتائج، وقراءة التطورات في كافة جوانب الأمور، من أجل إيجاد القدرة على الاستمرار وبيان الرشد من الغي، إن أيدي القمع مكبلة بصوتنا وحرة بصمتنا وجب أن ندرك ذلك ونوقن به.

شهداء الكلمة والرأي تركوا لنا إرث الصوت والقلم، نعم، رحلوا لكنهم قالوا كلمتهم "إن الصوت والقلم الحر لا يموت"، وبرهنوا أن ثمة شجاعة تمشي على الأرض، لا يطمسها صوت الرصاص ولا قمع الاحتلال ولا ظلم الصامتين. لن يأتي من بين يدي الفكر الحر إلا نور باقٍ ما بقيت الأرض والسماء، فليعلم الظالم بذلك وليُدرك المنافقون من حوله أننا هنا باقون ولن نصمت وإن جفَّ الحبر فأوردنا حبرنا وأناملنا أقلاما. 

سياسة القمع والترهيب والتهميش لم تُخلد أي ظالم، ولم تزد من عمره شيئاً، كلنا نُمثل كلمة كل صحفي وكاتب وطالب حق، إننا نعلم حدود تفكير الظالم، وعلى الظالم أن يعلم ألا حدود لنا فيما نسعى به من خير على الأرض، طمعه وطمع عملائه محدود ومصنوع من ورق ومعادن يكنزونها، والحر يصنع من تلك المعادن والورق ما ينفع الناس ويُعمر الأرض، وحجارة لتهيئ قبر الشر ومن تبعه.

سمو...

آن أن نُخرج الموؤد من قلوبنا، في الأمس تم وأد شيرين، لنسأل: بأي ذنبٍ قُتلت؟ والظلم ما زال يعتلى منصات الشر، في محاولة مستمرة ليهيمن المغتصب بسلطته، ويُوصل رصاصه لعقولنا قبل رقابنا، أما آن لنور الحق أن يُخرج الرجال، والأمهات أن تصنعن صناديد العدل؟