سعيدة بنت أحمد البرعمية
السنوات الخوالي التي عاشها تويتر في كنف الفعل الناقص" كان" اتصف بأنَّه مختلف، قيِّم يُخاطب العقل، لكن على ما يبدو أنَّ الأمر اختلف كثيرا في رعاية أخيه "أصبح" فلم يعد مختلفاً عن أيّ تطبيق آخر، فقد يرتفع هاشتاق ويحتل الترند (الأكثر تداولًا) لعدة أيام دون أن يُقدّم فائدة تُذكر!
ماذا نعرف عن تويتر وطائره الأزرق؟
كانت البداية في 2005 عندما عقدت شركة Odeo جلسة خاصة ولّدت فكرة عمل تطبيق لإرسال رسالة إلى مجموعة صغيرة، وهي فكرة الموظف جاك دورسي أمريكي الجنسية وأحد أبرز العقول الشابة في العالم، نبغ في البرمجة منذ صغر سنه؛ ففي عمر الخامسة عشر كان شغوفا بالسيارات؛ فاخترع جهازاً لمكاتب سيارات الأجرة. وأمّا اسم التطبيق فقد اقترحه مطوّر البرامج الأمريكي نواه جلاس وكان الاسم في ذلك الوقت "Twitter"، كما مرّ شعار تويتر منذ عام 2006 بعدّة أشكال للطائر الأزرق إلى أن وصل عام 2012 للشكل النهائي الذي هو عليه الآن.
"لاري" هو الاسم الحقيقي لطائر تويتر الأزرق الذي لم نعتد رؤيته على نوافذنا أوعلى عذوق نخيلنا أو أغصان اللّبان، وإنما أحببناه من خلال تطبيق تويتر الأهيف، فهو طائر مهاجر من الطيور الجواثم صغيرة الحجم، يُعرف عنه أنّه صائد للذباب، يبلغ طوله حوالي 16 سم، له لون أزرق جميل وعلى رأسه ريش أسود، يعيش في اليابان وكوريا وأجزاء من الصين وروسيا.
وتعنى كلمة تويتر باللغة الإنجليزية "التغريد" وكان يجب أن يكون تويتر باللون الأزرق المنتشر في خدمات الشبكات؛ لذا لم تكن فكرة اختيار الطائر"لاري"عبثية في تصميم شعار تويتر، ولا في دلالة صوت الطائر بالنسبة لحجم النص.
تغريد الطيور محبّبٌ عند النَّاس، فمنهم من أسمى بناته على الطيور وأصواتها، كتغريد وهديل وجريس، وهذا يجعلني أربط بين تغريد الطيور وفن أصيل لدينا في السلطنة يحمل طابع البداوة يسمى فنّ التغرود، وهو موروث شعبي تشتهر به عدد من محافظات السلطنة، وما يميّز قصيدته عن غيرها، أنها لا تتجاوز سبعة أبيات، يغرّد بها المغرّد من على ظهر جمله.
برأيي أن هذا الفنّ استمدّ اسمه وفكرته من تغريد الطير؛ فالطائرعادة يغرّد من مكان مرتفع، والمغرّد بفن التغرود يغرّد من فوق ظهر جمله أو ناقته بعدد من الأبيات القليلة التي تدلي بالمضمون بصوت شجيّ يطرب السامع.
كما أن دلالة نظرية عالم الأحياء البريطاني إليوت هوارد: "أن تغريد ذكور الطيور لحماية المقاطعة أو المنطقة التي يعيش فيها نوع من الطيور"، ممّا يجعلني أربط دلالة النظرية بأهمية التغريد في تويتر ودوره في رقي الأوطان والذود عنها.
الجميل وجود تطبيق يتميز بمميزات خاصة، ومُقيد محتواه بعدد من الكلمات مما يعطي الفكرة دون إسهاب، يتم اللجوء إليه للتعبير وطرح المقترحات بأسلوب راقٍ مستلهم من الفعل" غرّد".
سؤالي: هل ما زال تويتر يُغرّد أم تداخل صوت الطائر لاري مع أصوات الحمير والطواويس؟
يا حبذا لو أن مغردي تويتر تحمل تغريداتهم معيار صوت "لاري"، ومن لا ينطبق عليه المعيار يحزم أمتعته ويهاجر إلى مكان إقامته الطبيعية في الإنستجرام والسّناب شات، فقد كثر في تويتر التقيؤ المثير للاشمئزاز واللوعان، ليشير بذلك إلى تراجع فكري مخيف.
ليس أقرف من التغريدة المقرفة سوى التفاعل الملفت معها، من ثلاث سنوات أو أربع شاعت بكثرة التغريدات التي تحمل ضعف الفكرة والسخافة وأسئلة في منتهى الغباء، ووصل الأمر موخرا وفي شهر رمضان إلى التسويق للرذيلة مجاهرة من خلال حسابات غريبة تفرض وجودها في المتصفح دون أن تكون من حسابات المتابعة، جميعها تحمل محتوى يخاطب الغرائز سواء بالمفردات أو بالصورة المصاحبة لنص التغريدة، يتم التجاوب معها بشكل منحلّ أخلاقياً يخدش الحياء، الأسوأ والمخيف حجم انجراف المتابعين خلفها، والغريب أن الحظر لم ينفع معها، فعندما يتم حظر عدد منها يأتي آخر، على نفس السياق، ثم أتى العيد جالبا معه ما تبقّى من عيد؛ فاكتمل المشهد الضبابي.
طرق رأسي سؤالٌ: ماذا لو كانت هذه الحسابات تطرح فكرًا واعيًا أو تعالج قضية مهمة، هل ستلقى هذا القدر من الحماس والتفاعل؟ أردف الطرق متسائلا: هل أصبحنا نعاني من خلل لا ندركه، أو نحن على أعتاب تفاهات عظيمة قادمة، أم أنّ السناب شات وميزة الفلاتر في الإخفاء والتجميل له تأثيره في الأمر، فقد حلّت الفلاتر محلّ صور الطفولة والذكريات القديمة الممزقة بأيدي تفتقر للثقة بالنفس.
ما أجمل أنْ يعود تويتر مميزاً كما عهدناه؛ فإنّه بشهادة وتأكيد من "إنّ"- زعيمة النواسخ- التطبيق الوحيد المصمّم لمخاطبة العقل بما قلّ ودل.