سعيدة بنت أحمد البرعمية
لا أدري تحت أيّ قناعة يُحكم على مُجتهد بالفشل والانتظار! أو ما القناعة التي يُجمع من خلالها القائمون على اختبارات التوظيف لوضع أسئلة لتقييم قدرات مُعلم، أسئلة تعتمد على أقل مستويات المعرفة عند "بلوم" وهو التذكّر، ويُتخذ من خلالها قرارات مصيرية مُجحفة!
يعتمد الميدان على التطبيق والتحليل والتركيب والتقويم والابتكار في تخطيط الدروس وتنويع الوسائل التعليمية وأساليب التعزيز؛ فأين التجارب الميدانية التي يُقدِّم المعلم فيها أعلى مستويات المعرفة من هذا التقييم؛ لماذا لا يكون للجانب التطبيقي جزءًا من عملية التقييم؟!
خضتُ بنفسي اختبار التوظيف والحقيقة أنّه بعيد كلّ البعد عمّا يحدث في الميدان، فهو لم يُطالب المعلم بتخيط درس ولا بابتكار وسيلة تعليمية ولا باستخدام التقنية الحديثة في شرح الدروس، ولا بتحليل نص ولا حتى بكتابة تهيئة لدرس مُعين أو تمهيد!
تحثّ مناهج التأهيل التربوي المُعلِّمَ على ألا يُركِّز مع الطالب على أدنى مستويات المعرفة وعليه أن يركز معه على مستويات عليا ترفع من قدراته وتجعله يطبق ما تعلم ويركّب ويبتكر؛ ولكن من خلال تجربتي التي خضتها في اختبار التعيين للغة العربية هذا العام، وجدتُ الاختبار يُركز على مستوى واحد وهو التذكّر، إذن هناك "نهي عن أمر وإتيان بمثله!"
نحن للأسف اختبرنا اختبارًا غير منصف ولا عادل، اختبار بحاجة إلى تغذية راجعة، يفتقر للشمولية ومعايير التقييم، يُركّز على الفروع ويهمّش الأصول، لا يملك أدوات قياس القدرات؛ فقد ركّز على فرعين من فروع المادة وهما اللسانيات وعلم الأصوات، وبعض الأسئلة التربوية التي تحمل قدرًا من الصعوبة، وحظِيتْ أصول المادة وأساسياتها بأقل نصيب منه، وحمل أخطاءً أربكتنا كان لها الأثر في نفوسنا أثناء الاختبار وبعده، ومع ذلك حاولنا بكلّ ما نملك أن نجتاز هذه الصعاب، آملين ألاّ نتحمّل وحدنا هذه الأخطاء وهذه المركزية في وضع الأسئلة، وأن يتم النظر في هذا الأمر بعد الاختبار وتتم مراعاتنا على الأقل أمام هذه الأخطاء واعتماد معيار النجاح أقل من 60؛ لكن فوجئنا بأن معيار القبول لم يتغير وهَضمتْ مثالبُ الاختبار مناقبَ ما نملك من قدرات وطموحات.
لا شك أن اختبار بذلك المستوى من التطرّف والإنزواء المعرفي أقل بكثير من أن يطلق عليه تعجيزي من وجهة نظري؛ فلو احترم قدرات المتقدمين وحمل قدرًا من الصعوبة المعرفية في صلب المادة لهوَّن علينا هَوْلَ الصدمة، يمكنني وصفه بأنه يبني الحواجز ويبعثّر العثرات في طرق النجاح ويحكم على سنوات الجد والمثابرة بالفشل ويجمّد معدل القدرات لدى المعلمين، لا أكثر؛ لأن الاختبار التخصصي الشامل والمغطي لأصول وفروع المادة بشكل عادل بالإمكان حلّه مهما بلغ من الصعوبة، وهذا ما تعلمناه كمعلمين عن وضع الاختبارات في مناهج التأهيل التربوي، علمتونا أيها الكرام ضروة تغطية الاختبار لكل الدروس والفروع وعدم المركزية في وضع الاختبارات؛ ولكن هذا مالم نجده في هذا الاختبار.
أيها الكرام.. لا أدري لماذا يُستباح اغتيال النجاح؛ لقد أصبحت درجاتكم التقييمية للمُعلِّم بمثابة رصاصة تائهة في صدره، يعجز الطبّ إخراجها ويستحيل العيش والتكيف معها، مثل هذه القرارات المصيرية للمعلمين تحكم عليهم بالمزيد من الانتظار والمزيد من التأخر والمزيد من الفشل، ألا تدرون أن هذا المعلم تكبّد الجهد والمصاريف المبالغ فيها من قِبل الجامعات للوصول لمستوى معلم، ألا تعلمون أن لكلّ معلم عائلة ترى فيه المصباح السحري لتحقيق الأحلام، ألا ترون أن اختباراتكم تعتمد على أقل مستويات المعرفة، أليست مناهجكم تدعو للتطبيق والتحليل والتركيب، أليس في برنامج التأهيل التربوي تجربة ميدانية تقيم أداء المعلم، أين المستوى التطبيقي من اختبارات التعيين؛ إنْ كنّا فعلا نطبق ما نتعلم، لماذا يُعتمد الحكم على قدرات المعلم من خلال نظام سبر المعلومات بهذه الطريقة الغير منصفة وغير عادلة وغير الشاملة؟!
أين التقييم العادل والمنصف لمعلمي العقود اليومية، ألا تشفع التجارب الميدانية طيلة سنة دراسية كاملة بحلوها ومرها ومبادراتها لمعلمي الأجر اليومي باجتياز اختبار التوظيف، للأسف لقد باتت الدرجة والثلاث درجات عائقا جسيما لتحقيق الأمنيات وقتل الشغف بمهنة التدريس.
سؤالى الذي لم أجد له إجابة: إذا لم يحصل المُعلِّم في الاختبار النظري على درجة النجاح كاملة وهي 60 درجة، ونقص درجة أو درجتين أو ثلاث، وكان هذا المُعلِّم يعمل مِثلي في الميدان لمدة سنة دراسية كاملة، كان له فيها الأثر في المدرسة وفي نفوس الطلاب، وقدَّم مبادرة فاعلة خارج نطاق عمله حبّا منه لخلق الفائدة واجتهادا وشغفا لصنع النجاح، ويأتي اختبار كهذا يكسره ويلقي به بعيدا خارج أسوار النجاح؛ برأيكم ما العمل أيها الكرام؟
يصعب علينا أن نتقبّل الحكم بالفشل وأن نقبع مجددا تحت المظلة السوداء ذاتها للانتظار، أقولها بصدق لم نعد نقوى على اغتيال المزيد من الآمال والأيام، إذا كان اجتياز اختبار التوظيف معياره 60 درجة؛ فما معيار نجاح التجربة الميدانية في نظركم، أم أن التجربة الميدانية فقط لتغطية العجز بأقل الخسائر دون أدنى تقييم أو تقدير لمن قام بتغطية العجز!
أين تقييم التجارب؟ أين تقييم الخبرات؟ أين تقييم المُعلِّم المُبادِر؟ كلّ هذا يحكم عليه اختبار نظري انزوائي متطرّف بالفشل! "ما لكم كيف تحكمون".
أرفع إليكم من هذا المنبر، مقالي المكتوب بدموع المعلمين والمعلمات؛ كرسالة تلتمس منكم جبرًا؛ لإعادة النظر في معيار القبول لوظيفة مُعلِّم هذا العام، كبصيص أمل لمحاولة جادّة للإنصاف بحكم مركزية الأسئلة وما حملته من أخطاء، وإن لم يتم التعيين هذا العام؛ فقائمة الانتظار في أسوأ الأحوال أرحم من القذف خارج محيط النجاج.