"قرنقشوه".. أصلها ومآلها!

 

حمد بن سالم العلوي

هناك معلومة تتداول بأنَّ أصل القرنقشوه، كان احتفالًا حسنًا بمولد سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم الإمام الحسن ابن الإمام علي- كرَّم الله وجهه- وذلك في العام الثالث للهجرة الشريفة، على صاحبها أزكى صلاة وسلام، فيقال فرح الناس بمولد الحسن، فوزع الأغنياء منهم والميسورون الحلوى والهدايا، تعبيرًا عن فرحتهم بالحدث الشريف، وأخذت المُناسبة تتكرر في ذكرى مولده- رضي الله عنه- ويقال أيضًا إنَّ دخول الأطفال على الخط، كان سببه مقترحًا كريمًا من أحد الأشخاص الذين يتلقون تلك الهدايا والعطايا، بألا يأتي كبار السن من الأغنياء وميسوري الحال إليهم، وإنما هم، أي الطرف المتلقي للهدايا، بإرسال أطفال الحي ليذهبوا إلى منازل أهل الجود والكرم، وذلك لاستلام تلك الهدايا والعودة بها إلى أهلهم.

ويقال كذلك إن هذه العادة اختفت في مناطق، واستمرت في مناطق أخرى، وها نحن اليوم وبعد 1440عامًا، وهي تلك الفترة الزمنية البعيدة، التي نقف اليوم فيها على قرنقشوه، أو قرنقعوه أو قريقعان وبشكل مختلف، أو قد يكون بشكل مفترى به على الأصل، وهذا الأصل الذي لا يدركه القائمون به اليوم، وقد شابه ما شابه من التحريفات التي أدخلت عليه الكثير من البدع والدعايات، وهذا أمر طبيعي، وشيء مألوف مثل هذا التحريف والتزوير، وذلك ما لم يكن هناك تقنين وتنظيم، وإلا أدخل عليه كذلك شيء من التفاهات والخزعبلات، وبحسب عقليات الذين يمارسون هذه العادة، وهو مجرد تكرار بغير وعي منهم.

وكذلك استغل بعض التافهين المناسبة، فعملوا منها مهرجانًا تنكريًا مع بعض السفاهات والسخافات، كإحضار حمير لتشارك في المناسبة، وسمح بعض الفوضويين لأنفسهم، بالخروج عن أصول الأدب وهتك الذوق العام، بما يرضي النفسيات الضعيفة، فلبس بعض الذكور (ولا أقول الرجال) ملابس نسائية، وتنكروا بها، وأخذوا يمشون بها مشية الحمار الأعرج، كحمار طيب الذكر "الأصمعي" الذي وصف مشية حماره كمشية العرنجلي في قصيدته العصماء "صوت صفير البلبل"، وذلك بعدما رمى هؤلاء ثكالى الأخلاق والأدب بكل موازين الحياء والعيب وراء ظهورهم الحدباء.

لقد رأينا عجبًا في رمضان هذا العام، وليس رجبًا كما كان يقول المثل، وذلك عمّا حدث في مناسبة القرنقشوه، وقد سلب التافهون فرحة الأطفال من المناسبة، وقد استمتعوا هم وحدهم بها، وكعاداتهم التي أخذت تتكرر في كل المناسبات، وليس في مناسبة القرنقشوه وحسب، فأخذوا يشبعون غريزتهم الفوضوية، بما يشوه أي شيء جميل، ويحولونه إلى أشياء سخيفة ومُقززة للنفس والذوق العام، وذلك بإقلاق السكينة العامة.

إنَّ قواعد العيب التي كانت السَّبْلة العُمانية تضبط معيارها، بالقدوة الحسنة التي ذهبت بلا رجعة كما يبدو، وذلك مع غياب تلك الجلسات التعليمية والتربوية، التي كانت مفعمة بالسمت والوقار، والاحترام والأدب، والحقيقة أنَّ من يفقد الحياء، قد فقد كل الأسس القيمية للأخلاق والأدب، ويصعب عليهم ردع أنفسهم التي تأمرهم بالسوء دوماً، لقد تمادى المفسدون في الأرض، وذلك بفرض تفاهاتهم وجعلها عادات وتقاليد، وكأن بالدولة تنتظر من السفهاء، أن يرتدعوا من ذات نفوسهم، ويعودون إلى رشدهم.. هيهات ثم هيهات.

إذن آن الأوان لأن تقوم الحكومة بصفتها القيِّمة على الضوابط المجتمعية، لأن تتدخل لفرض الضوابط المجتمعية العُمانية بالقوة القانونية، وعلى الجهات المسؤولة أن تفهم، أن التكرار والصمت العجيب عليه يعطي مؤشرا بالرضا، ولكن بما أوكل إليها بموجب القوانين والأنظمة، من مسؤولية الحفاظ على الأمن والنظام، لأن هذين الركنين الأساسيين لا يجوز التفريط فيهما، لأنه إذا اختل أحدهما، فقد الآخر أهميته، لأن الأمن والنظام يكونان متناظران في كفتي ميزان متقابلتين، فإذا اختلت كفة.. سقطت الأخرى، والمثال على ذلك قائم ومشاهد من خلال بعض الدول العربية، فعندما يختل الأمن في بلد ما، فإنَّ اختلال النظام يكون حتمياً.

إنَّ الذي نلاحظه يجري في السنوات الأخيرة، والذي يمثل تراخيًا في ضبط القيم والعادات، قد ورّث اختلالًا كبيرًا في معيار العيب، فهناك من يذهب إلى الأماكن العامة، بملابس خادشة للحياء، لا بل بعضهم يذهب لينجز معاملات في الدوائر الرسمية بملابس غير محتشمة، وهناك من يغض الطرف عن ذلك، نزولًا مع تفاهات الغرب من الحضّ في التنازل عن قيمنا "نحن" وليس هم، تحت مسمى الحرية الشخصية، وهذا الذي يُسعدهم، وأن نكون كدول عربية وإسلامية بلا قيم ننتخي بها، والأمر الغريب أنك تجد أشخاصاً يسارعون في طاعتهم، بل ويدافعون عن القدوة الغربية، ويهملون التوجيهات السامية التي كان يرددها على مسامعنا المغفور له بإذن الله السلطان قابوس على مدى خمسين عامًا، ثم يأتي حضرة صاحب الجلالة السلطان الأمين هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- على نفس السياق، أكان ذلك في الخطابات الرسمية، أو في لقاءاته السامية بمسؤولي الدولة، فنجدهما- أي صاحبي الجلالة- متفقان في الحض على الحفاظ على الموروث الوطني من التقاليد والعادات القويمة، فكيف يكون التوفيق بين الحفاظ والتفريط؟!

إنه من الخطأ؛ بل الخطيئة الكاملة، أن نكون نحن والآخرين على هدم قيمنا الرصينة، فالغرب يأمرنا- إن أطعناه- على ترك عاداتنا وتقاليدنا، وذلك تحت مسمى الحرية الشخصية، والحقيقة هي حريتهم "هم" في الآخرين، وليست حرية شخصية حقيقية، فهذه الحرية الشخصية تنعدم في فلسطين، وغيرها من بلاد العالم الثالث حسب تصنيفاتهم "هم" للآخر، فحرق مصحف أو سب النبي محمد صلى الله عليه وسلم تعد معهم حرية رأي، وحرية شخصية، أما أن تتحجب المرأة، أو أن يفترش المرء الأرض ليصلي.. فلا يجوز، وإباحة المحرمات وفق الشريعة الإسلامية، مسألة فيها نظر عندهم، أما إلتزام الإنسان بالنواهي الشرعية، فتلك جريمة لا تغتفر، فإذا طالبنا بقتل كلب مؤذي، ويشكل خطراً على الناس.. وخاصة الأطفال، قيل في ذلك جريمة تسمى التعدي على الحيوان، أما قتل الشعوب ومنعهم من الصلاة والعبادة، فذلك جائز لأنه يحض على الإرهاب، أننا لا يحق لنا أن ندّعي السيادة في بلداننا، إذا كنَّا لا نستطيع أن نطبق نظامنا الأساسي وقوانيننا المحلية، أو حتى نسن قانوناً يمنع السفاهات وقلة الأدب، كالقرنقشوه وأخواتها من العادات الدخيلة فذانك قمة العجز.