أيام معدودة

سارة البريكية

Sara_albreiki@hotmail.com

 

يقول الله تبارك وتعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) سورة البقرة: 185.

رسالة ربانية سامية عظيمة وجليلة وخالدة بعثها الله لنا من خلال القرآن الكريم لما له من الأجر والثواب وتكفير الذنوب والخطايا ولما له من أثر عظيم في تزكية نفس الإنسان وصلاحه ولأن الله يحبنا ويبتغينا بقربه فرض علينا الصوم لما به من أجور وحسنات وفضل كبير.

القرآن كتاب الله وحديثه إلينا يتحدث فيه معنا عن كل تفاصيل حياتنا وعن رمضان أيضًا لما لهذا الشهر الفضيل من خيرات كثيرة تعم الحضر والبوادي الصغير والكبير المحتاج والغني كل واحد بطريقة معينة وعجيبة.

إن ما نشاهده الآن في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي وأيضا التلفاز لهو أمر وجب الوقوف عنده والتعرض له وإيقافه بالكلمة الطيبة ثم بالردع لمن تسول له نفسه التنقيص من حرمة الشهر الفضيل وزرع مفاهيم خاطئة في نفوس الأجيال القادمة فلم يعد هذا الشهر الفضيل إلا وسيلة للتفاخر والمباهاة والاستعراض الغبي استعراض للطعام واستعراض للملابس واستعراض للتفسق وبعد عن الله وقرب من الشيطان وأشياء أخرى.

يحزنني أن تمر أيام هذا الشهر الفضيل سريعا ونحن نطالع خزعبلات ما يقدمونه من تشويه للفكر الإسلامي، فهذا الشهر ليس لاستعراض الملابس وليس لمشاهدة المسلسلات الذي يزدحم بها التلفزيون وليس للقيل والقال، إنما للعبادة، ولو وقف كل إنسان مع نفسه وقفة صدق وشمّر عن سواعد الجد؛ لتباهى بنا الله أمام ملائكته ولزادت البركة في أيامنا وأعمارنا وتفاصيل حياتنا لصافحتنا الملائكة قيامًا وقعودًا وعلى جنوبنا.

لماذا لا نكف عن التباهي والاستعراض والإسراف؟ والأخيرة كثيرة لحدٍ لا يعلمه إلا الله، وسيارات البلدية التي تمر أول الصباح وتتفاجأ بالكم الهائل من الإهدار ورمي المأكولات والمشروبات، وكل ما لذ وطاب. نحن قوم سيحاسبنا الله على ذلك وليس معنى أن أكون صائمًا أقف عند كل بائع متجول وأشتري الأخضر واليابس وأعود لمنزلي محملًا بمختلف أصناف الأطعمة، أين سيذهب الأكل الذي يُعد في المنزل ومن سيأكله؟!

إن ما شاهدته في الأيام التي مرت أمر مبالغ فيه في الإسراف وقلبي يؤلمني على ما يحدث في هذه الحياة الفانية، والجميل أن أفكاري بدأت تتغير وبتُ أنظر للأمور بزُهدٍ، فلم يعد يشدني التلفاز ولم أعد أتابع المسلسلات ولا البرامج، فكل هذا وذلك مضيعة للوقت؛ فالعمر قصير جدًا، ونحن محتاجون للتزود لحياتنا الأخرى؛ فحياتنا الأخرى لا بُد أن تكون أجمل ولابُد أن نؤسسها ونعمل من أجل أن نعيش تفاصيلها الجميلة وأن نفاخر بأنفسنا أمام الملأ؛ لأننا قاومنا وتمسكنا وجاهدنا بوقت الكل به مشغول بترتيبات حياته الفانية.

رمضان قد يعود سنينَ أخرى ولكننا قد لا ندركه، فلماذا لا أقف مع نفسي وقفة صادقة أصحح فيها من أخطائي المتراكمة، وأعطي نفسي فرصة للتأمل في ملكوت الله وللتسبيح والذكر وقراءة كتاب الله والتدبر بآياته، لكن الإنسان لا يفهم ولا يُريد أن يفهم وإنما يمني النفس الأمارة بالسوء ويكابر وهو صغير.

إن اللحظات الرمضانية الجميلة وأوقات الذكر والتهجد وقيام الليل وصوت آذان صلاة التراويح ولهفة المصلين للمسجد كبارًا وصغارًا، نساءً ورجالًا؛ مفخرة لنا لأن أبواب الجنة مفتوحة وكل ما في الجنة ينتظرنا، لذا فلنمسك على ديننا ولنتمسك بالله ولنقف وقفة صدق لا للإسراف ولا للتبذير ولا للمباهاة ولا لمضيعة الوقت، ونعم للصلاة ونعم لذكر الله ونعم للطاعات والصدقات والعبادات وكل ما من شأنه أن يقربنا من الله أكثر.

ختامًا.. أقول إنِّها أيام معدودة، فلنستغلها الاستغلال الأمثل ولنحافظ على قراءة القرآن الكريم والتحلي بأخلاقه على هذه الأرض.. ودمتم.

الأكثر قراءة