زيارة جديدة إلى مسقط 2022 (2- 2)

 

د. مجدي العفيفي

ثانيًا: الاتحاد الدولي للصحفيين يختار مسقط.

 

قل هو حدث عالمي عظيم لصاحبة الجلالة "الصحافة"، هو نبأ عربي جميل تشهده المنظومة الإعلامية للمرة الأولى، قل هو ملتقى عماني غير مسبوق، تسجله سلطنة عمان بهدوئها المعهود وخطواتها المتئدة، دلالة على أن كل تجربة عربية ناجحة هي إضافة جديدة، وإضفاء أجمل لكينونة الشخصية العربية في صيروتها مع الأيام والتحولات، وفي جدليتها مع العالم بثوابتها ومتغيراتها، على الرغم من أنه عالم صارت متغيراته أكثر من ثوابته، وتلك مفارقة تستدعي وقفة، لا سيما في نار اللحظة العالمية الراهنة وقواها العظمي تتصارع حتى لتصبح مثل القطة التي تأكل بنيها..بأشرس مما حدث في الحربين العالميتين المتوحشتين.

أقول قولي هذا وسط متابعة تداعيات اللحظة الدولية النارية، وأنا أرفل عبر زيارتي الأخيرة لمسقط، بهدوء نسبي في واحة أمن وأمان وسكينة وسلام، عهدناها حتى في أكثر العقود الماضية توترا في منطقة الشرق الأوسط وقد حاول أعداء السلام العالمي أن يجعلوها منطقة «الشر... الأوسط» وكانت لعمان بقيادة السلطان قابوس بن سعيد- رحمه الله- ادور بالغة الأهمية والتأثير في تهدئة العواصف السياسية العنيفة.

هكذا تتداخل دائما السياسة بالثقافة بالصحافة، وقد تحدثت في الجزد الأول من هذه الزيارة إلى قوة مسقط الثقافية التي قهرت «معضلة كورونا» التي تضخمت عالميا بفعل فاعل بدأ تتكشف لعبته على خشبة «مسرحية كورونا العالمية».

المهم أقامت مسقط معرضها الدولي للكتاب في دورته السادسة والعشرين، وانتصرت الثقافة، وتسامى «القلم» على «الألم» وكان «الأمل» الذي وزعته مسقط وانتشر في المنطقة رغم انف كورونا ومن وراءها.

وها هي سلطنة عمان تتهيأ ثانية وبسرعة، لاستضافة اجتماعات الجمعية العمومية الـ31 للاتحاد الدولي للصحفيين، بحضور حوالي 300 مشارك من 178 من ممثلي الاتحادات والجمعيات والنقابات والهيئات الصحفية بما يمثل 148 دولة حول العالم، وهو جهد جبار وقف عليه بجدارة الدكتور محمد بن مبارك العريمي رئيس مجلس إدارة جمعية الصحفيين العمانية، الذي يقول إن هذا المؤتمر العالمي هو بمثابة توسعة لاجتماعات المكتب التنفيذي للاتحاد الدولي والذي تأجل بعد ذلك 4 مرات حتى هذا الوقت نتيجة إنشغال العالم بمكافحة كورونا، وقد ساند ممثلوا القارات في العالم بالاجتماع أن يكون اجتماع الكونجرس القادم في السلطنة تقديراً لدور السلطنة على المسرح الدولي، ولجهود الحكومة الداعمة لبرامج وأنشطة جمعية الصحفيين العُمانية التي أضحت أحد مؤسسات المجتمع المدني ذات التأثير الدولي. كما ستتم استضافة الاجتماع التأسيسي للاتحاد الآسيوي للصحفيين تقديراً للمقترح العُماني الذي قدم خلال اجتماع كونجرس الاتحاد الدولي في تونس 2019، وهم نفس ممثلي نقابات وجمعيات قارة آسيا في الاجتماع الأساسي المخصص للاتحاد الدولي «الكونجرس».

يأتي قبول الاتحاد الدولي للصحفيين لاستضافة السلطنة لهذين الاجتماعين مشاركة من الاتحاد الدولي في احتفالات السلطنة بمرور 52 عامًا على نهضتها المعاصرة التي يكمل مسيرتها جلالة السلطان هيثم بن طارق- أبقاه الله-، بعد مسيرة السلطان قابوس بن سعيد-رحمه الله-، ويأتي أيضاً تقديراً للجهود التي بذلت في تحقيق السلطنة خلال الأعوام الأخيرة لمراكز متقدمة في سلم معايير المؤشرات العالمية ودعماً لجهود الجمعية خلال الـ17 عاماً الماضية على المستويين الداخلي والعالمي.

تخبرنا ذاكرة الاتحاد الدولي للصحفيين، أنه أكبر منظمة للصحفيين في العالم؛ حيث يضم 600 ألف إعلامي من 187 نقابة ورابطة اعلامية في أكثر من 140 دولة، وقد تأسس الاتحاد الدولي للصحفيين عام 1926، وهو المنظمة التي تتحدث باسم الصحفيين داخل منظومة الأمم المتحدة وداخل الحركة النقابية الدولية. وقد تأسس الاتحاد لأول مرة عام 1926 في باريس، وأعيد إطلاقه باسم المنظمة الدولية للصحفيين عام 1946، لكنه فقد أعضائه الغربيين في الحرب الباردة وعاد إلى الظهور بشكله الحالي في عام 1952 في بروكسل.

ومن الأهداف التي يسعى لتحقيها أنه ينظم العمل الجماعي لدعم نقابات الصحفيين في كفاحهم. كما يعزز العمل الدولي للدفاع عن حرية الصحافة والعدالة الاجتماعية، ويعارض التمييز بجميع أنواعه ويدين استخدام وسائل الإعلام للدعاية أو للترويج للتعصب والنزاع. ويؤمن بحرية التعبير السياسي والثقافي. ولا يؤيد أية وجهة نظر سياسية معينة، لكنه يشجع العمل الجماعي للدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية والتعددية الإعلامية، ويتم تحديد سياسة الاتحاد الدولي للصحفيين بشكل ديمقراطي في مؤتمر يجتمع كل ثلاث سنوات.

تبقى الإشارة إلى ثلاثة أمور:

الأمر الأول: أتصور أن هذا المشهد الصحفي المنتظر وإن كان يهم كل صحفي عربي، إلا أنه يهم أيضا كل إنسان عربي يعتز بعروبته وعروبيته، في هذه المرحلة التي يبدو فيها القابض علي جذوره أشد من القابض علي جمر النار المستعرة.

والأمر الثاني: أنه خلاصة جهد كبير لرئيس وأعضاء مجلس جمعية الصحفيين العمانية، الذين يتجاورون مع زملائهم في نقابات واتحادات الصحفيين العربية، في استمرارية قامة الصحافة العربية المرفوعة، في شارع الصحافة العالمي.

وأما الأمر الثالث: أن هذا الملتقي للاتحاد الدولي للصحفيين يحظى بدعم رسمي كبير؛ إذ أكد صاحب السمو السيد أسعد بن طارق نائب رئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي والممثل الخاص لجلالة السلطان، دعم الدولة لفعاليات المؤتمر الدولي للاتحاد، خاصة مع مشاركة هذا العدد الكبير من الصحفيين والإعلاميين الذين يمثلون قارات العالم المختلفة، فهو بجانب ما سيحققه من أهداف عديدة، يمثل فرصة أمام المشاركين للتعرف على جوانب النهضة العمانية في مختلف مجالات الحياة، وما يقوم به إعلامنا العماني من دور مهم في طرح مختلف المواضيع والقضايا التي تهم المجتمع، وأهمية مثل هذه المبادرات في تسويق سلطنة عمان وتعزيز مكانتها الدولية.

وكان سموه قد التقي مع رئيس وأعضاء مجلس إدارة جمعية الصحفيين العمانية بمكتبه وعبرعن سعادته بوجود هذا العدد من القيادات الصحفية والإعلامية العالمية واعرب عن تقديره لمبادرة الجمعية وحرصها على احتضان هذه التظاهرة المهمة على أرض السلطنة، مؤكدا سموه دعم الدولة لفعاليات المؤتمر الدولي للاتحاد خاصة مع مشاركة هذا العدد الكبير من الصحفيين والإعلاميين الذين يمثلون قارات العالم المختلفة، فهو بجانب ما سيحققه من أهداف عديدة يعتبر فرصة أمام المشاركين للتعرف على جوانب النهضة العمانية في مختلف مجالات الحياة، والاطلاع على الإمكانيات التي توفرها الدولة للصحافة المحلية ووسائل الإعلام المختلفة لتقوم بدورها من أجل إبراز النهضة العمانية بكل مكوناتها، وما يقوم به إعلامنا العماني من دور مهم في طرح مختلف المواضيع والقضايا التي تهم المجتمع، وأهمية مثل هذه المبادرات في تسويق سلطنة عمان وتعزيز مكانتها الدولية.

وأبدى ارتياحه لإقامة هذه الاحتفالية قائلا: "نحن والصحفيون والإعلاميون في مركب واحد وسنستمر على هذا النهج بإذن الله؛ فهم يستحقون كل الدعم، كما أنهم من يحمل رسالة عمان للعالم، وهذا هو دورهم الوطني في توصيل الرسالة الإعلامية بأمانة في الداخل والخارج، لتصبح لاحقا جزءا من التاريخ الذي يوثق تفاصيل كثيرة من تاريخ عمان ولتبقى مرجعا للأجيال القادمة".

ومن جميل ما أشار إليه أن عمان بلد السلام ورسالتنا للعالم هي التسامح والمحبة والسلام كما يعلمها الجميع، فالسلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه – قال: أود أن أرى علم عمان في كل شبر على هذه الكرة الأرضية، وكان يشير على مجسم الكرة الأرضية الذي بجانبه، وهذا ما تحقق والحمد لله. وتمنى من الصحفيين والإعلاميين مواكبة المرحلة القادمة ومتابعتها بشكل دقيق وفي شتى المجالات، هنالك مجالات تحتاج لوقت للنضوج؛ وعلى الإعلاميين رصدها وتغطيتها حتى ترى النور، مؤكدا أن الشباب العماني تربى بهدوء على الأخلاق والإخلاص والمبادئ القيمة وهذا سر نجاحنا، هدفنا واحد وكلنا يد واحدة تحت ظل القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- لتتقدم سلطتنا الغالية إلى الأمام نحو التقدم والازدهار.