راءٌ.. بين الحرب والحب

 

 

الطليعة الشحرية (حالوت أليخاندرو)

 

(1)

بين الحب والحرب شبه، وإن كان مَقِيتًا، إذ كيف لعاطفة جميلة ورقيقة أن تُقارَن بوحش الحرب الدموي الكاسر؛ ولكنْ ألا تُفرز الحروب قصصَ وروايات حب عَذبة وحكايات إنسانية، كأنها تذكير بأنَّ الأصل في خِضَم كل هذه البشاعة الدموية "إنساني". وبخلاف المعهود، قصفتْ الحرب الروسية-الأوكرانية جبهةَ البشرية بحجم العنصرية المتأصِّلة في "الرجل الأبيض" -أي العرق الأوربي الغربي- كما أسقطتْ ورقة التوت عن المعايير الإنسانية الحديثة، التي يلوِّح بها الأوروبيون في وجه العرقيات الأخرى.

- لستَ أبيض، ولا تملك عيونًا زرقاء أو شعرًا أشقر، انزِل من الحافلة، لا يحقُّ لك اللجوء؛ بمعنى آخر لا يحق لك الحياة.

- أن تحدُث حرب في بلد أوروبي أمرٌ غير مقبول، هم شعب مُتحضِّر، يمتلك عيونًا زرقاء وخضراء، وشعرًا أشقر وبشرة بيضاء.

لا يغرَّنك إنْ صادفت مع بعضهم الجينات، وأعطتهم شعراً وأعينًا ملونة؛ لأن لونهم لا يضاهي لون "الرجل الأبيض".

إذن، ما هو الرابط بين الحب والحرب؟

(2)

الفخ..!

حين يُحب أحدُهم، نقول وقع فلان في الحب، وإذا نَشَبت حربٌ، نقول وقعتْ الحرب؛ هل هذا يعني أنَّ الحب والحرب فخ، يقع فيه الإنسان غير المُدرك أو الواعي بحجم مصيبته؟! لا أعلم، ولكن أعلم يقينًا أنَّ لكل شيء مُنتهى في الحب والحرب. أم لعله في كلتا الحالتين يُصاب الإنسان بالعمي إذا "وقع في الحب والحرب"، فتُطمس البصيرة وتُعطَّل الحواس. أما الغريب، وما يُثير السخرية، هو أن يُكافئ عدد مليار مسلم من تَعْدَاد العالم صِفراً حسب المقياس الإنساني الغربي، والأغرب أن يتطلَّع المليار لرأي الرجل الأبيض عنه، فهل لا يزال السَّاسة في العالم -المُستدمر سابقا، المُستعمر فكريًّا حاليًا- يُعانون من عُقدة الخواجة؟

الأمر أشبه بالوقوع في حب "الرجل الأبيض" الخواجة، وقد تحتاج إلى طبيب نفسي للعلاج.

(3)

كيف أعلم أنه حُب؟

يُقال إن المشاعر تُنصِّف صاحبها، فلا يتورَّط في علاقة قد تسُوقه إلى التَّهلُكة؛ لذا اختبِر حالة الحب التي تقع تحت وطأتها، وتأكَّد من أنها مشاعر حب وليست إعجابًا. وبالفعل قد أدركتُ كلَّ ذلك بعد مُشاهدة الحشود الشرق أوسطية والمتَّجهة إلى الحرب بالوكالة في روسيا وأوكرانيا؛ مُتناسين تمامًا أنهم هم الأشخاص ذاتهم من أَغْرَقوا قواربَ اللاجئين بعرض البحر، وهم ذاتهم من أَوْقَف الحافلات لإجبار مَن فَشِل في كشف اللون والجينات أن يترجَّل ويُترك للموت، فلا ننسي أنه ليس أوروبيا متحضراً، ولا يملك عيونًا زرقاء ولا شعرًا أشقر.

وفي المقابل، حين أعلنتْ الجمعية العامة للأمم المتحدة الموافقة على المقترح الباكستاني باعتماد يوم 15 مارس لمكافحة الإسلاموفوبيا، نجد أوَّل المعارضين وأشدهم فرنسا الأوروبية البيضاء والهند وحزبها الحاكم العنصري.

أعتقد أنَّها حالة من الحب من طرف واحد، بينما الطرف الآخر يُضْرِم نارَ العنصرية والفوقية والأنا، ولكن الأهم: ما مصير هذه الحالة من الحب من طرف واحد؟

(4)

لا ضَمَانات في الحب ولا الحرب

يا عزيزي، ليس هناك شيء مضمون؛ فالمشاعر مُتقلبة والأيام دُوَل والحرب رَحى؛ وعلينا الأخذ بالأسباب، فلا نُبالغ بتضخيم قوَّة وسطوة "الرجل الأبيض"، وعلينا أن لا نذرَّ الرماد في أعيننا عن فداحة الأمر؛ فكلُّ ما حولنا عبارة عن فيلم بتقنية الهولوجرام، صِرَاع المَرَدة، وتحفيز للقلق والذعر، ومن ثمَّ اتفاق، وبعد فينة من الزمن إطلاق فيروس جديد.

أعتقد أنَّ الحسنة الوحيدة من هذه الحرب هي تعرية كل الأوجه؛ فوسائل الإعلام مُختَرَقة، والأخبار مُفبرَكة كما هي حال الأخبار التي تنشرها وزارة الدفاع الأوكرانية، وذلك عن طريق فبركة فيديوهات الدمار بغزة ونسب ذلك إلى الدمار بكييف. أثبتت هذه الحرب أنَّ الحروب القادمة ستكون مغايرة، ولن تحمل الصبغة العسكرية المُوحِّدة للجيش الوطني، بل تحوَّلت لجيوش مرتزقة تحت لواء مُتطوِّعين، والسؤال: لِمَ المسلم المتطوع مرحَّب به في الجيش الغربي، وإذا مُسلم مجاهد في جيش مسلم يُحارب غربيًّا غازيًّا يُعدُّ إرهابيًّا؟!!!!

تعود بنا هذه التساؤلات إلى حلقة أخرى من حلقات عُقدة الخواجة؟ من يُحب من؟ ومن يُحارب من؟ وهل كما يُقال بأنَّ كل شيء جائز في الحب والحرب؟

من طرافة اللغة أنْ يَفْصِلَ حرفُ الرَّاء في الكلمتين. عزيزي، انتبه من الوقوع في الفخ الحب أو الحرب.