نافذة على "لماذا كرة القدم؟"

 

 

المعتصم البوسعيدي

 

 

يطلُ سؤال "لماذا كرة القدم؟" عبرَ نافذة كتابٍ قيم للإعلامي الرياضي المخضرم الأستاذ أيمن جادَة، نافذةٌ تفتحُ الرؤى على عالمٍ واسعٍ لا أرض تحده ولا سماء تُغطيه، وضع فيه الكاتب عُصارة تجربته الشخصيةِ وتجارب الآخرين مع استحضارٍ للتأريخِ وتحليل مواقفه وأحداثه، والمزجُ بين بساطةِ المُفردة وعمق الفكرة، علاوة على لغةِ الأرقام ودلالاتها ومؤشراتها وبرهانها الحاسم.

يحاولُ الكتاب الوصول إلى إجابةٍ لا قرار لها؛ فهي بحر لجي يحتاج لصيادٍ ماهر، كيف لا والإجابة لا تختصرها حروف ولا كلمات ولا حتى كُتب، وعلى ذلكَ أخذَ الأستاذ أيمن جادة فترة عامين كاملين يكتب 606 صفحات ضمت 44 فصلاً و5 ملاحق، وقد أفردَ الفصل الأخير للإجابة على السؤال "لماذا كرة القدم؟" في 7 محاور و102 إجابة بين أهمية ونتيجة وسبب دون الخروج بإجابة شاملة، ثمَّ إنه رصع الكتاب بمقولاتٍ لنجوم الكرة والفن والأدب والثقافة ولشخصيات اعتبارية على الصعيد السياسي والاقتصادي والإعلامي وغيرها من المجالات المختلفة.

الكتابُ جامعٌ شامل يُمسكُ بخيوطِ كرة القدم، ويسلطُ الضوء على زوايا مُتعددة، ويتنوعُ أسلوب كتابته بين الوصف والسرد والتحليل والإحصاء، وكأنَ قارءه على موعدِ سفرٍ بين الأزمنة والأمكنة تحلقُ روحهُ بين مشاعر وأحاسيس متناقضة، ويبحرُ عقلهُ نحو شواطئ الفكر والثقافات المتباينة، كما وأن ابن جادَة أجادَ ــ كعادته ــ في إيصالِ المعلومةِ بلغةٍ عربيةٍ رصينةٍ تتصفُ ــ كما يُقال ــ بالسهلِ الممتنع.

لم تغب عن الكاتب هويته، فكان يحاول ــ دائماً ــ الوقوف مع الحالة العربية في عالمِ كرة القدم، بل إنه أفردَ مساحةً جيدةً في الفصل الأربعين عنونها بـ (الكرة العربية.. لماذا لا تتطور؟) واضعاً الأسباب في 12 نقطةً مهمةً لخصها من مناقشاتٍ عديدةٍ مع نجومِ الكرة لاعبين ومدربين وحكام وإداريين وغيرهم، وهي نقاط جديرة بالاهتمام، وربما تحظى يوماً بالمداولة والتمحيص، وتكون منطلقاً للتغييرِ والتطويرِ المنشودين للعرب.

إنَّ اقتحام أسوار كرة القدم، والدخول إلى دهاليزِها، والمرور من خلالِ مساراتِها الضيقةِ والواسعة في آن، وسبر أغوارها وعجائبِها، ومشاركة أفراحها وأتراحها، وملامسة جماهيرها الغفيرة، تحتاج إلى يراع فذ ومهنية موضوعية راسخة، وقد نجحَ ــ في اعتقادي ــ الأستاذ أيمن جادة في ذلكَ لحدٍ بعيد، وأرى أنَّ المنتمي لهذه الكرة "المنفوخة" لا غنى له عن قراءة هذا الكتاب، والذي أضع ــ هنا ــ نافذة تطلونَ بها على سطورهِ التي لا يُمكن اختزالها إلا بالقراءة المتكررة والمتفحصة، "فكرة القدم ــ يقول أيمن جادَة ــ لها سحرها الخاص؛ فهي بإمكانها أن تغير كل ما تلمسه لتحول الغرباء إلى أصدقاء، والأصدقاء إلى إخوة، وتصنع من الآلاف والملايين عائلة واحدة،... إنها أحياناً تحول الفقراء إلى سعداء والأغنياء إلى تعساء والبسطاء إلى خبراء والمجانين إلى عقلاء... وعندما يُصبح الركض بالكرة وركلها قطعة فنية يتغنى بها الشعراء تدرك أنك في العالم الجميل لكوكب كرة القدم".