الأعلاف الحيوانية.. غلاء مبرر أم ورقة ضغط؟

 

علي بن سالم كفيتان

يقول الراعي: لا أدري ما الذي انتظره بعد كل هذه المكابدة التي خضتها في جبال وسهول ووديان بلادي، فلا زلت كالقابض على الجمر، فإن تركت جمرتي انطفأت في زمهرير الوقت، وإن أمسكتها أحرقتني.. هذا هو حال الرعاة اليوم، تمر عليهم السنون، فيصبحون أداة تغيير تقلب كل الموازين تارة، وتارة آخرى هم مجرد مستهلكو أعلافٍ يتعرضون لأشد صنوف الابتزاز، وبين هذه وتلك هناك من يجيد العزف على وتر أحلام وطموحات الراعي، فقد سبق له أن ركب تلك الموجة التي قذفته بعيدًا، فصال وجال ومسح من ذاكرته كل التضحيات التي سكبت لبلوغه هذا المرام، لكنه لا مانع من معاودة الجولة؛ فالراعي هو الراعي والأرض هي الأرض.

بعد موجات غلاء سعر الأعلاف المتكررة خلال الأعوام الأخيرة واشتدادها هذه الأيام، بحثتُ في كل المصادر لأجد أرقامًا يمكن الاعتماد عليها حول إسهام الثروة الحيوانية بشكل دقيق في الاقتصاد الوطني، ولم أجد سوى أرقام عامة وتعدادات زراعية فقط، كنت أتوقع وجود بيانات مفصلة عن عدد الوظائف التي يوفرها هذا القطاع، والدخول السنوية لمربي الثروة الحيوانية في مختلف المحافظات، لكنها للأسف مجرد تقديرات تخضع في الغالب لتقارير المنظمات العالمية، فليس مُهمًا معرفة كم نملك من الإبل مثلا، إذا لم نعرف كم وظيفة توفرها، وما المردود السنوي لصاحبها من منتجاتها المختلفة (ألبان- لحوم- أسمدة- بيع من أجل المسابقات... إلخ). الأمر ذاته ينطبق على بقية المواشي الأخرى، من أبقار وأغنام وغيرها، فأعداد ثروتنا الحيوانية ليست مليونية، لكنها تمثل قيمة غير محسوسة فيما يتعلق بالحفاظ على الأمن والسلم الاجتماعي، مما يستوجب النظر لإثارتها وبشكل مستمر والضغط على شريحة ليست صغيرة في البلد كأولوية وطنية ملحة.

في الجانب الآخر، حاولنا معرفة سبب خسارة هذه الشركات التي تستند لسوق مضمون وواسع في البلاد، ولم نجد مبررًا منطقيًا لهذا الابتزاز المتكرر وخلق التوترات المتعاقبة في أوساط مربي الماشية في مختلف مناطق السلطنة، فإذا كانت هذه الشركات تنعم بالتسهيلات من كهرباء وماء وإعفاءات من كل الرسوم ومنح أراضٍ بمساحات شاسعة وخدمات مجانية لا متناهية خلال الخمسين عامًا الماضية، وتم تحجيمها في الوقت الحاضر، نظرًا لظروف البلد الاقتصادية التي طالت حتى الإنسان البسيط، فلا يجب أن تجحد هذه الشركات ما قُدم لها طوال عقود النهضة، وتقوم بتصفية حسابتها مع الراعي وتستخدمه كورقة ضغط على الحكومة، في مرحلة نحن في أشد الحاجة فيها للتكاتف من أجل المرور لمنطقة الأمان التي يقودها مولانا جلالة السلطان- أيده الله- وأعلن عن بلوغ بداياتها هذا العام. ولكي نكون منصفين لابُد من الاعتراف بوجود ارتفاع طفيف في المواد الخام عالميًا، لكن هذا لا يبرر مطلقًا استغلال حاجة المواطن لسلعة أساسية، ورفع سعرها بهذا الشكل الجنوني، في ظل صمت رسمي من الجهات المعنية، وكأنَّ الأمر لا يعنيها للأسف، فالناس تتساءل أين هيئة حماية المستهلك؟ وأين وزارة الثروة الزراعية والحيوانية وموارد المياه؟ وأين غرفة تجارة وصناعة عُمان؟ وما دور المحافظين؟

من المحزن أن لا تجد مدافعًا واحدًا عن هذا الملف سوى الراعي الذي يقف منفردًا في وجه تاجر العلف، وهي للأسف صورة نمطية قديمة، فقبل الأعلاف المُصنّعة كان تاجر السردين يمارس نفس الدور ولو بطرق مختلفة، إلا أن حاجته للسمن تجعله يمد الخيط إلى موسم الفتوح (موسم الحصاد). ونحن اليوم نطلب منح السياسات الجديدة مزيدًا من الفرص للنجاح، مثل لجان الثروة الحيوانية التي شكلتها وزارة الثروة الزراعية في الولايات، ولجنة إعادة النظر في الشكل القانوني للائحة الإسكان الريفي التي شكلها مكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار، وتنفيذ مشروع "الحزام الأخضر" الذي تعكف عليه هيئة البيئة، وبدء شركة مروج للألبان باستغلال مشتقات الحليب من مربي الماشية في جبال ظفار.. فكيف لهذه السياسات أن تنجح في ظل رفع الأسعار وخلق التوترات المستمرة من قبل شركات الأعلاف؟

*****

ملاحظة:

يثمن المواطنون أدوار الشركات الوطنية المخلصة التي ظلت أسعارها ثابتة رغم كل الحجج بارتفاع سعر المواد الخام عالميًا، وندعو الحكومة لدعم هذه الشركات التي أخذت دورًا وطنيًا وتحملت الضغط من أجل استقرار الأسعار، في الوقت الذي مارست فيه الشركات الأخرى أقصى درجات الضغط على ملاك الثروة الحيوانية.