حتى لا ننسى جيل الرائدات (9)

التاريخ السياسي للمرأة العُمانية

 

د. مجدي العفيفي

(6)

المرأة والسياسة.. عبارة ربما تبدو متناقضة، أليس كذلك؟ لا فإن للعبارة وجها آخر، يتجلى حقيقة إنسانية وتاريخية، في المرجعية العرفية والمعرفية، التي يتبين فيها الخيط الأبيض من الخيط الأسود، بل هي العلامة البينة، واللحظة الفارقة، بين الوهم والحقيقة، في النظرة والناظر والمنظور، أو يفترض ذلك.

السؤال: إلى أي مدى تتواجد المرأة على المسرح السياسي؟

قد يبدو هذا السؤال استنكاريا، وإن أراد أن يلقي بظلال توحي بإنجاب سؤال آخر: وما الذي يعيق شوط المرأة في هذا السباق؟ يقولون إنه من غير المألوف، أن نجد «المرأة» على الساحة السياسية،لماذا؟ لأن السياسة مسرح للرجال فقط، ولا أن نجدها في الحرب أيضاً لأن الحرب هي استمرار للسياسة ولكن بأساليب أخرى.

فهل هذه الصورة ليست أكثر من وهم، أو ينبغي أن لا تكون كذلك؟

هل لأنها من صنع الرجل، والرجل هو الذي يؤرخ؟

لكن هذه الصورة تغيرت تماما، فهناك محاولات مستمرة لإنصاف المرأة وبيان دورها الخطير في الحياة والمجتمع وفي حياة الرجال العظماء، لقد اتجهت إلى الاقتصاد، وتفوقت في مجالات علم النفس والاجتماع والدراسات الإنسانية، والعلوم الحديثة، لكن لاتزال السياسة كعلم وفن وممارسة، شاقة على المرأة، هكذا يرى الرجال.

لكن لابد أن يكون لها دور، وفي التاريخ نساء نجحن في أن يتقدمن الرجال بالقوة والذكاء مثل:«حتشبسوت»و«كليوباترا»وبلقيس»و«زنوبيا»و«سميراميس» و«الخيزران أم هارون الرشيد» و«شجرة الدر»رغم أن هذه المجتمعات الشرقية، لا تستريح إلى أن تتقدم المرأة على الرجال.

وفي التاريخ الإغريقي أسطورة تقول: إن الرجال عندما احتاجوا إلى حبال لجر السفن الحربية قصرت النساء شعورهن وجعلنه حبالا، وليس هذا إلا مساهمة متواضعة من المرأة، فالذي تستطيعه المرأة أقوى من ذلك، فأثرها على عقل الرجل وقلبه وحواسه أخطر من ذلك، فهي تعكس الشقاء والهناء عليه، وهي تستطيع أن تضلله بالفشل أو تكلله بالنجاح.

(7)

يحتفظ التاريخ العماني بأدوار كبيرة لعبتها المرأة العمانية، ومواقف مؤثرة اتخذتها في مواجهة الأحداث، في السياسة والحكم والفقه والدولة والمجتمع. وتورد لنا ذاكرة التاريخ النسائي، ملامح من هذه الأدوار والمواقف، بطلاتها نماذج نسائية، تتواصل معها الحفيدات المعاصرات، انسجاما مع متطلبات العصر، وتمشيا مع متغيراته، واحتواء لمعطياته، وتفاعلا مع عطاءاته.

في أوراق عمانية عمرها أربعة آلاف عام قبل الميلاد، كانت تحكم عُمان (الملكة شمساء) وقد عرفت برجاحة الفكر، وحسن الفطنة، وحنكة السياسة وحكمتها، تجلى ذلك في موقفها السياسي، وكونها كانت  تحكم بلدا، لم يكن  تاريخه "يسير في مد وجزر، وإنما كانت تحكمه الصراعات الإنسانية".

وحدث أن اشتد الصراع الاقتصادي الدولي في عصرها، نتيجة الأطماع المتعددة في الحصول على معدن النحاس الذي اشتهرت به عمان، عندما كان هذا المعدن هو أغلى المعادن وأنفسها في العالم، واحتدم صراع قوي حول استخراج النحاس بين عمان ودولة أجنبية قوية، واستطاعت الملكة شمساء أن تتصدى لهجمات هذه الدولة بسياستها مع جيرانها. فماذا فعلت؟ «لم تجد الملكة شمساء بدا من الاستعانة بقوة، الاعتماد عليها في حسم هذا الصراع لصالح عُمان، فأرسلت إلى سرجون الأكدي في العراق، ولسان حالها يردد(فإن كنت مأكولا فكن خير آكل وإلا فأدركني ولم أفرق) كانت رسالتها لسرجون تقول إنها لاتستطيع وحدها أن تحسم الصراع الذي بدأ حول النحاس، ومن أجل ذلك طالبت بعقد اتفاقية مع العراق لاستخراج النحاس، واستجاب سرجون الأكدي لدعوة الملكة، وبعث بمندوب له إلى عمان وتم توقيع الاتفاقية بينه وبين الملكة» (طبقا لما أورده عبد الله الطائي، في كتابه "دراسات في الخليج"، مسقط 1972).

(8)

وتتجلى (السيدة موزة) بنت الإمام أحمد بن سعيد  مؤسس الدولة البوسعيدية، كشخصية صلبة قامت بدور سياسي بارز في تاريخ عمان القديم، وقد ذاع صيتها واشتهرت بقدرتها على الفصل في المجالس العليا للدولة، وتعلمت من أبيها كثيرا من خصاله في العدل والشجاعة والثقة والقوة، وقد عاشت حياتها في مناخ سياسي عام، مشحون بالنزاعات والفتن، بين سبعة إخوة، اعتركتهم رحى السياسة.

وفي هذه الأجواء لعبت السيدة موزة أكثر من دور في حماية عمان من الأخطار الداخلية، وتولت مقاليد الحكم، فاستطاعت بقوة شخصيتها وصلابة عزمها والشجاعة التي تمتعت بها والحنكة والدهاء السياسي وبعد النظر، أن تدفع عن مسقط الخطر الداخلي الذي تمثل في طمع الطامعين في اغتصاب الحكم، مثلما فعلت السيدة (جوخة بنت محمد اليعربي الخؤولة) التي قادت ثورة عارمة في عمان، أبريل من عام 1830م.

(9)

ونموذج آخر يتمثل في الفقيهة شمساء بنت سعيد بن خلفان الخليلي التي يذكر لها، أنها كانت تنفق أموالها على شؤون المسلمين، وكانت مرجعا لحل الكثير من المسائل الفقهية المعقدة بل كانت تقدم الفتاوي لأهل زمانها.

(10)

وهناك (الشعثاء بنت الإمام جابر بن زيد) وقد اشتهرت كزعيمة روحية ومرجعية في الشورى والفتوى في الأمور الدينية والدنيوية للنساء، وكانت ترأس المجالس الاجتماعية والثقافية والدينية، مثلما كانت (عائشة النزوية) فقيهة في زمانها.

(11)

وفي القرن الخامس الميلادي اشتهرت (السيدة ميثاء) في مجال شق الأفلاج، ولايزال اسمها مخلدا في مدينة بهلاء حيث يوجد فلج يحمل اسمها هو( فلج ميثاء). ( نورية السداني، تاريخ المرأة العمانية ص 18وما بعدها ،الكويت ، دار السياسة  1984) .

  (12)

 وكانت «السيدة سالمة بنت السلطان سعيد بن سلطان» التي كتبت سيرتها الذاتية في كتابها المعروف «مذكرات أميرة عربية» أول أميرة عربية تكتب مذكراتها السياسية والاجتماعية والشخصية عن تلك الفترة التي عاشتها في عصر والدها السلطان سعيد بن سلطان الذي تميز بالشجاعة والعزيمة وهي صفات ورثتها الأميرة عن والدها.

 ومع مذكرات الأميرة سالمة نلتقي في الأسبوع القادم... إن كان في العمر بقية.