حمود بن علي الطوقي
معرفتي بالصديق زاهر الحراصي بدأت منذ مُنتصف الثمانينيات من القرن الماضي عندما تزاملنا معًا في الصفوف الإعدادية بمدرسة روي، والتي أصبحت بعد ذلك واحدة من أفضل مدارس محافظة مسقط بإدارة المربي الفاضل الأستاذ عبدالمجيد الحصري- رحمه الله.
تحولت بعد ذلك الى مدرسة روي الثانوية، وتخرجت فيها مجموعة كبيرة من الطلبة والآن يقودون القاطرة، وعدد كبير من خريجي هذه المدرسة يعتلون أرفع المناصب؛ سواء في القطاع العام أو الخاص أو حتى في القطاع العسكري.
زاهر الحراصي الطالب الذي لم يُحالفه الحظ لاستكمال دراسته وخرج مُبكرًا من المدرسة بسبب الظروف الاجتماعية التي كانت تمر بها عائلته، وقرر أن يترك مقاعد الدراسة ويلتحق بالعمل بالقطاع العسكري لكي يساعد أسرته وعائلته في تحمل أعباء المعيشة.
ورغم أنه ترك مقاعد الدراسة إلا أنه لم يترك أصدقاءه، وظل يتواصل مع الجميع، وأذكرُ أنه كان يفترش الأرض في فترة المساء ويساعد والده في بيع الثوم والبصل والخضروات على مدخل سوق مطرح؛ حيث كان يبيع الثوم في المساء ويدرس في الصباح ويكافح من أجل العيش والكسب ولو بشيء يسير.
ومن خلال افتراشه الأرض وبيع الثوم وقليل من الخضراوات، عرف زاهر الحراصي أسرار سوق الخضار والفواكه، ونظر إلى هذا السوق نظرة كاشفة؛ ليرى ما لا يراه الآخرون. ولأن هذا السوق ينمو بسرعة ويسيطر عليه الوافدون، فقرر صديقنا زاهر الحراصي أن يستمر في هذا العمل يساعد والده ويضحي بوقت اللعب مع الأصدقاء خاصة كرة القدم التي أحبها بشغف، لكنه اتبع فقه الأولويات في الحياة؛ فالحياة كما يقال مدرسة، وقد تعلم زاهر من هذه الحياة أبجديات وأسرار الخضراوات وأصبح خبيرا يعرف هذه التجارة؛ مداخلها ومخارجها.
زاهر الحراصي ذاك الشاب صاحب الابتسامة الساحرة والقلب الطيب والأخلاق الفاضلة، صار الآن صاحب إحدى أكبر الشركات العاملة في مجال بيع الخضراوات والفواكه بسوق الموالح المركزي.
قصة زاهر، منذ أن كان طفلاً بدأ حياته ببيع الثوم والفجل والملفوف والأمبا والليمون، لم تكن مجرد قصة من قصص الكفاح؛ بل هي واقع بطلها شاب عصامي عرف كيف يستفيد من الظروف المحيطة والتحديات والفقر، ويقلب الطاولة؛ ليتحول إلى تاجر خضراوات وفواكه يقارع كبار التجار ويتجول في ربوع العالم، لكي يكتشف المزيد من أسرار تجارة الفواكه والخضراوات.
بعد سنوات من الكفاح والعمل والنجاح تارة، والتعثر تارة أخرى، ومنافسة الوافدين وكشف تلاعبهم، يقف الآن زاهر الحراصي بشركته التي أسسها من عرق جبينه لتتصدر المشهد في سوق الخضراوات بالعلامة التجارية المعروفة والمشهورة باسم "شركة الفيحاء لبيع الخضراوات". هذه الشركة أصبحت الآن من كبريات الشركات العمانية ولديها أسطول كبير من الحافلات والبرادات تجوب شوارع عماننا الحبيبة لتنقل الحضراوات من العاصمة إلى مختلف المدن والولايات العمانية.
أصبحت شركة الفيحاء الملاذ الآمن لكل التجار فهي الشركة التي تزودهم بالفاكهة والخضراوات، وتقدم حلولا للموردين والمستوردين.
مؤخرا اتصل بي ليقدم مبادرة وطلب مني توصيلها للمسؤولين؛ حيث لديه الاستعداد لتشجيع الشباب وتدريبهم للعمل في هذا القطاع ومن ثم فتح محلات تجارية لهم بالتعاون مع الجهات المسؤولة، لمن يرغب من الشباب للعمل في هذا القطاع، مؤكدًا أنه على أتم الاستعداد لتشجيعهم ودعمهم وتزويدهم بالخضراوات والفواكه لكي ينافسوا الوافدين.
قصة هذا الرجل العصامي التي بدأت فصولها الأولى ببيع الثوم، تكتمل مشاهدها يومًا تلو الآخر بالتحديات والعزيمة والإصرار، وقد وجدتُ أنه من الواجب سرد فصول هذه القصة ليعرف كل قارئ أنَّ في الحياة قصصًا ملهمة، وهذه إحدى القصص لبائع الثوم الذي تحول إلى إمبراطور في تجارة الخضراوات والفواكه.