إلى أين ستقود الأمم المتحدة العالم؟

 

د. عبدالله باحجاج

يقول البروفسور الأمريكي ويلكنز إن "المجتمع الغربي قد دخل دوامة الموت، ويُريد أن يجر العالم وراءه"، ومقولته نستشهد بها في ضوء مساعي المنظمة العالمية إلغاء القوانين الوطنية في كل الدول التي تجرم الميول الجنسية، والهوية الجنسانية"، أي التي قوانينها تعتبر العلاقات بين الأشخاص من نفس الجنس غير قانونية، وقد بدأت مساعيها تظهر مؤخرًا فوق السطح بصورة مقلقة، وبمبادرة ودعم دول غربية وحركات راديكالية، وهنا ينشأ تطرف جديد، من المؤكد أنَّه سينتج بالمقابل دولا وحركات وأفكارا مماثلة إذا ما انصاعت الدول وخاصة ذات البعد الأيديولوجي الثقيل لضغوطات الأمم المتحدة، ومن وراءها.

وعندما يمعن المرء فكره قليلاً، سيرى الآن خارطة التحولات والمتغيرات المستهدفة داخل المنطقة العربية والإسلامية بصورة واضحة، المثير فيها أنها ستكون عامة وشاملة، ليس في المال والاقتصاد فحسب، وهو يحدث الآن؛ بل وفي منظومة القيم والأخلاق سواء تلك التي منبعها الفطرة السليمة، أو الأيديولوجيات السماوية، والإكراه هذه المرة ليس من قبل البنك وصندوق النقد الدوليين، كما نجحا في فرض التحولات المالية والاقتصادية من خلال صناعة أزمات أو استغلالها، وإنما من خلال الأمم المتحدة التي بدأت الآن تصعد حملات سابقة باتجاه تغيير القوانين الأخلاقية والقيمية الوطنية.

وهنا يدفع بي الاستشراف إلى طرح هذه التساؤلات العقلانية:

س: هل هناك علاقة بين الإكراه نحو التحولات المالية والاقتصادية، والإكراه في مجال التحولات الأخلاقية والقيمية؟

س: هل نلمس فيهما خيوط ترابط واتصال عالمية تستهدف البنية المجتمعية ببناها الفوقية، ولن نستبعد السياسية، لأن تأثير الأول على الثاني سيكون تلقائيا وحتميا في الدول الثيولوجية؟

س: هل بهذه السهولة يتوقع أن تنجح التحولات بشقيها الثنائي سالفي الذكر، ومن منظور انعكاساتها الاجتماعية؟ كل من يرصد ويتابع ما وراء فرض التحولات القيمية والأخلاقية، سيدق ناقوس الخطر على التفاعلية المقابلة المتوقعة من المجتمعات الأخلاقية والقيمية في المنطقة، فوراء هذه التحولات دول وحركات راديكالية، يغلب عليها الطابع الأنثوي، وتعلن عدائيتها على القيم والأخلاق جهارا ونهارا، وقد تغلغلت في لجان الأمم المتحدة مثل لجنة حقوق الإنسان، ولجنة مركز المرأة، وأصبحت الأمم المتحدة متأثرة بهذا التغلغل الذي وراءه قوة كبرى لا ترى، لكن آثارها ملموسة، وما الظاهر منها سوى، الأدوات التنفيذية لها مؤسسات وأطر وكوادر.

والحملات تستهدف الآن الشباب، وتخترق الآن الرياضة، وتحديدا كرة القدم، وما الترويج والتسويق لشعار المثليين المتعدد الألوان، إلا مؤشرات تكشف عن البواطن، والتساؤل الذي يطرح الآن: ماذا نتوقع من ردة فعل معاكسة؟ وهنا يمكن القول إنَّ الراديكالية المتطرفة تولد نظيراتها، مثل ما ينتج العنف، العنف المضاد، وهذه الصيرورة هي التي تقف وراء فتح هذا الملف ولو من مستوياته السطحية، رغم أعماقه.

وهذا يكشف لنا طبيعة القوة الخفية التي وراء هذه التحولات، فهي توظف الآن المنظمة الدولية لتفجير "الثورة الجنسية" في كل أنحاء العالم دون استثناء، وتحقيق المساواة والحرية للذكورة المتحولة أو المزدوجة، وتستهدف بداية الدول الآيديولوجية، وقد أصبح لهذه التحولات نظرية وآيديولوجيا تنظم العمل وتؤطره، والمطلوب الآن من المنظمة الدولية العمل على إلغاء التشريعات الوطنية، وسن تشريعات تساوي بينهم تساويا كاملا ومطلقا في الحقوق والواجبات سواء داخل الأسرة أو المجتمع أو الدولة.

فهل يعتقد أن تمرر مثل هذه التشريعات على الدول، ومن ثم تقبلها مجتمعاتها بكل هدوء؟ كل دولة تنصاع للضغوطات، وهي قوية، ستواجه مجتمعاتها بقوة تسلحها الإيماني، وسينضم إليها قوة فقرها التي لا تزال تصنعه التحولات المالية والاقتصادية، وهنا يستوجب الحذر الشديد من إغفال البُعد الاجتماعي واستحكامات الدين فيه، ولا يعتقد أن نجاحاتها في التحولات المالية والاقتصادية، يمكن أن تشكل نموذجا للتحولات الأخلاقية والقيمية، الحذر الحذر من المرحلة الدولية الراهنة، وكنت في تغريدتي يوم الجمعة الماضية، قد دعوت إلى عقد قمة عربية وإسلامية عاجلة لاتخاذ موقف جماعي وقوي من هذه القضية، فقوة الجماعة أكثر تأثيرا من قوة الفرد على مواجهة التحولات.

وبمناسبة قرب انعقاد القمة الخليجية "42" في الرياض، فإنني أدعو القمة إلى إصدار بيان صريح وواضح، يرفض هذه التحولات شكلا ومضمونا، ويعلن التمسك بالمبادئ الإسلامية، وتشكل لجنة خليجية تمثل فيها كل دولة مجالسها البرلمانية، ومؤسسات حقوق الإنسان ووزارات العدل والشؤون القانونية والإسلامية والمفكرين والسياسيين.. إلخ؛ أي كل مكونات الدولة الواحدة، حتى يكون تمثيلها رسالة تعبر عن وحدة كل مكونات الدولة الواحدة، فهل نتوقع من القمة الخليجية المقبلة مثل هذا الموقف العاجل والقوي؟ هذا مطلب المصلحة العليا لكل دولة خليجية، فالعامل الثيولوجي المؤسس والمؤطر لشعوبها، يستهدف الآن من الخارج، فتركه ينفذ لدواخلها خط أحمر لاستقرار وأمن مجتمعاتها.. وانعكاساته على الدول.