جَرفة صَفَر‎‎.. والنقوش التنبؤية!

 

د. حميد بن مهنا المعمري

halmamaree@gmail.com

 

كان الآباء والأجداد فيما غبر من الزمن يُعظِّمون ويتمثّلون بـ"جرفة صفر"، فإذا ما نزلت أمطار غزيرة عظيمة، وخرجت المياه قويةً جارفةً كل ما يقف في طريقها، متخذة بطون الأودية لها مسارا؛ بل في أحايين أخرى لم تتسع بطون الأودية لها؛ فتفيض عن يمينها وشمالها، وتخرج عن مسارها محدثة أضرارا مادية كبيرة، حينئذٍ يقولون قولتهم المشهورة والتي حفظناها عنهم (نزل الوادي مثل جرفة صفر)، وكأنّهم يُريدون بقولتهم تلك بأنّ من شدة الأمطار التي نزلت  تشبه الأمطار الغزيرة التي حدثت في شهر صَفَر، وجرفت كل شيء وجعلته صِفْر اليدين، قاعًا صفصفًا.

IMG-20211001-WA0014.jpg
 

ورصدت الأقمار الاصطناعية، ومراكز التنبؤات العددية حالة مدارية في بحر العرب أُطلق عليها "شاهين"، تُنبئ بقدوم أمطار غزيرة، وفي ذات الوقت تشير بعض الكتابات الحجرية المنقوشة في بطون بعض الصخور ببلدة حاجر بني عمر في وادي الحاجر أحد الأودية الشهيرة بمحافظة جنوب الباطنة بولاية الرستاق إلى حدثٍ في غاية الأهمية، وهو سقوط أمطار غزيرة عظيمة في يوم السبت 25 من شهر صفر عام 1252 من الهجرة الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم، وهو ما يوافقه 11 من شهر يونيو لعام 1836 لميلاد المسيح عليه السلام؛ أي قبل حوالي 200 سنة على وجه التقريب من الآن.

هذا التشابه الكبير في اليوم والشهر، هل معناه أنّ التاريخ سيعيد نفسه؟ وهل ستتكرر الحادثة نفسها التي حدثت قبل 200 سنة من نزول أمطار غزيرة وخروج أودية جارفة؟ خاصة ونحن على موعدٍ مع إعصارٍ من الدرجة الأولى يقترب ساعة بعد ساعة؛ ليبتلع في بطنه حبات رمال السواحل العمانية البريئة التي طال انتظارها وشوقها لهذا الضّم وذلك العناق، بعد غيابٍ وفراقٍ من الزمن يقترب من 200 سنة.

إنّ بعض الضّم وبعض العناق المبالغ فيه بعد طول غيابٍ يأتي بنتائج عكسية وآثار سلبية، لكن ضم وعناق "شاهين" للسواحل العمانية سيكون بإذن الله تعالى عناق المُحب لحبيبه، لا كسر فيه ولا تحطيم، لا كما تتوقع التنبؤات من أنّ إعصار الشاهين سيجثم بكل قوته على فريسته، وسينشب مخالبه وأظفاره في معظم جسد فريسته، وسيتركها مقطّعة الأشلاء.

ومع هذا كله وفوق كل ذلك؛ فإنّ بعض المِنَحِ الربانية تأتي في ثوب مِحَنٍ في ظاهرها، وفي باطنها تخبئ الخير الوفير العميم، وكأنّ الله أراد أن تغتسل عُمان من أدران جائحة كورونا، خاصة ونحن في وقت نهايات انحسارها وتلاشيها عن البلاد والعباد، وبشارات عودة الحياة إلى طبيعتها.

ومن جانبٍ آخر فإنَّ تلك الكتابات والنقوش قبل حوالي 200 سنة، تُطْلعنا وتُطالعنا بتاريخٍ يُحدِّثنا عن حِقبة زمنية آثارها تشهد بكل فخرٍ واعتزازٍ، بانتشار العلم والمعرفة وحُب الكتابة والتدوين على الرغم من قسوة الحياة؛ فإنْ كانت الأوراق والدفاتر والأقلام في تلك الفترة بعيدة المنال عن أيديهم، والتي هي في زماننا بحمدالله في متناول أيدي أطفالنا؛ فإنّ مفردات طبيعتهم كالحديد والصخور لم يثْنهم عن ركب الحضارة؛ فاتّخذوا المسامير أقلاما، والصخور صُحُفا وأوراقا؛ فلله رجالٌ، ولله أرضٌ أنجبتهم، ولله أحفادٌ نهجوا نهجهم وساروا على خُطاهم!