لغتُنا الفصحى أَصعبةٌ هي أم واسعةٌ شاسعةٌ؟!‎

 

 

د. حميد بن مهنا المعمري

halmamaree@gmail.com

 

قبل كل شيء، وقبل الإجابة المُباشرة عن هذا التساؤل المشروع والذي ستستغرقه هذه العجالة، وسنحاول أن نُحيط به علمًا بما أُتينا من توفيق وتسديد، أريدُ القول إنِّه سَرَى أو الأرجح أنه أُريد له أن يسري إلى أذهان أبناء العربية أنَّ لغتَهم لغةَ القرآن الكريم لغةٌ صعبةٌ؛ بل ويُراد منه أن يُعشعش ويبيض ويفقس وينتشر بينهم، وأنّ تعلُّم العربية بل التخصص فيها مُغامرة قاسية غير محمودة العواقب والبعد عنها فيه السلامة والعافية.

ونحن لو نظرنا إلى اللغة العربية وقد اختارها الله تعالى أن تكون وعاء للقرآن الكريم وحاضنته الأمينة نُدرك تمام الإدراك أنّ الله ما اختارها إلا لأنّ فيها من الإمكانيات ما ميَّزها عن غيرها، تلك الإمكانيات والخصائص العظيمة من شمول ودقة وإحاطة وسعة تلك الخصائص وغيرها جعلتها قادرة على أن تكون لغة للقرآن الكريم، أما في نظر الضعفاء فتلك من سلبياتها وليس من مُميزاتها التي فاقت بها أقرانها من اللغات في تلك الفترة وإلى يومنا هذا، ومع ذلك فإنَّ الله تعالى يقول في مُحكم كتابه الذي أنزله بلسانٍ عربي مُبين:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [القمر: 17] تتكرر أربع مرات في سورة واحدة؛ فكيف يكون مُيسرا للذكر إنْ كانت لغته صعبة غير يسيرة؟! "نبئوني بعلمٍ إن كنتم صادقين"!

وقد فاقم الأمر تلك الدعوات المُبكرة من تاريخ ازدهار اللغة العربية حيث يُستنبط من كلام ابن جني فيلسوف العربية المتوفى 392هـ في كتابه "الخصائص" الدعوة إلى إلغاء العوامل اللفظية والمعنوية؛ حيث يقول: "العمل من الرفع، والنصب، والجر، والجزم، إنما هو للمتكلم نفسه لا لشيء غيره" ثم كرر تلك الدعوة ابن مضاء القرطبي المتوفى 592هـ في كتابه المشهور "الرد على النحاة" الذي حققه الدكتور شوقي ضيف وقدّم له بمقدمة رفعت من شأن الكتاب وزادته دسامة، ثم توالت الدعوات في عصرنا الحديث بدءًا بإبراهيم مصطفى في كتابه "إحياء النحو" إلى تيسيره.

لذلك ندعو في هذه المقالة إلى تقديم العربية في ثوبٍ جديدٍ يُناسب هذا العصر بلا حذف ولا اعتداء على أصل من أصولها، وتهذيب ما ينبغي تهذيبه ليكون قريبًا من الأفهام، وغربلة المناهج المدرسية وإخراجها في حُلة قشيبة تقبل عليها النفس وتلتهما التهامًا، وأن تكون لغة الجامعات والكليات والمعاهد، وتتضافر الجهود في نشرها وتعليمها لمن يفتقر إليها.