حاجِرُنا تبكي.. وأوديتنا دموعًا تجري!! ‎

 

د. حميد بن مهنا المعمري

halmamaree@gmail.com

 

على غير العادة، وفي هذه المرة خيَّم الحزن على حاجر بني عمر بقوة؛ فقد تدفقت سحبٌ كثيفة سوداء مظلمة لتمطر قلوبنا بالحزن والأسى بعد خبر وفاة ابنة البلدة الصابرة المحتسبة؛ ذلك لأنَّ الفقد غير الفقد وعمّنا سليمان ليس كالأعمام في قلوبنا، وأبناؤه البررة ليسوا كالآخرين وخالتنا أم سعيد ليست كالخالات، وسيْفنا الذي ينتفض في غمده ليس كالسيوف؛ فتضاعف الحزن وتعاضم الفقد درجات حتى كاد أن ينزل بنا دركات؛ فأصبح وأضحى وأمسى حزننا ظلمات بعضها فوق بعض يُدْمي القلب ويُنهك العظم ويُجري العين أودية تتدفق في طُرقات البلدة.

ومما تعارف عليه في بلدتنا العريقة أو جرت عليه العادة أنّ عمّنا سليمان هو من (يوحّش) القبور آخذا بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن هذه المرة لم تسعفه قواه ولم تقوَ أقدامه على حمله، ولا يديه على فعل شيء لأنّ المسجّى على خشبة النعش ريحانة القلب وفلذة الأكباد ملأت بيتهم أُنْسًا وقلوبهم سعادة، وعلّمتهم كيف يكون الصبر؟ وكيف يكون الرضا بقضاء الله وقدره؟! فما أعظمها من مصيبة!

ومع هذا الفقد الجلل وهذا الحُزن الكبير الذي خيّم على بيوت الحاجر، تأتي البشارات تتدافع ليكون لها قصب السبق في هذه العُجالة القصيرة لتكون بعد الله سببا في انقشاع غيمة الحزن التي خيّمت على القلوب والأكباد؛ فأولها بركة هذا اليوم المعظم يوم الجمعة المبارك ومستجاب فيه الدعوة، وثانيها ذلك الحضور الفخم من أهل البلدة وخارجها، ودعواتهم المخلصة بالرحمة والمغفرة، وثالثها وأهمها دموع عمنا سليمان التي سطّرت ونقشت على صفحة صخور البلدة حروفا صادقة وكلمات وجُملا وعبارات فحواها رضا الله من رضا الوالدين، وما أدراك ما رضا الوالدين! ورابعها الابتلاء الذي طالت مدته، ورسولنا الكريم يبشرنا بقوله: "إذا أحبّ الله عبدا ابتلاه"

وخامس البشارات تذكيرها- رحمها الله- المستمر لبنات جنسها بذكر الله في مواقع التواصل الاجتماعي، كل ذلك وغيره عسى أنْ يقربها من الله زُلفى.

وفوق كل ذلك لا يفوتنا وعد ربنا للصابرين المحتسبين فقد علّمنا ماذا نردد عند نزول المصيبة بقوله:{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة : 156]

وأختم بتقديم أصدق العزاء وخالص المواساة لأسرة الفقيدة وذويها، ولأهل البلدة؛ فأحسن الله عزاءكم وعظم الله أجركم.